أكد فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن البعثة الخامسة لصندوق النقد الدولي تناقش عدة موضوعات محورية مع الحكومة المصرية تمهيدًا لصرف الشريحة الخامسة من برنامج القرض.
وقال الفقي، إن أبرز هذه الموضوعات تتعلق ببرنامج الطروحات الحكومية، وأسباب تباطؤ تنفيذه، بالإضافة إلى معايير الأداء الكمي والمؤشرات الهيكلية المطلوب تحقيقها.
وأوضح الفقي، أن من ضمن معايير الأداء الكمي التي يركز عليها الصندوق معدلات التضخم، وهي من اختصاص البنك المركزي المصري الذي يعمل على استهدافها، مضيفًا أن الصندوق، قبل وصول بعثته الخامسة، اوصى بضرورة “الحرص” في السياسات النقدية عند اتخاذ قرارات خفض أسعار الفائدة، وليس “التحذير” كما أوردت بعض وسائل الإعلام عند تناول التقرير الأخير للصندوق.
وأشار الفقي، إلى أن صندوق النقد برر دعوته للحرص نتيجة توقعات بارتفاع معدلات التضخم عالميًا، بسبب عوامل خارجية، من بينها الإجراءات الجمركية التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع شركائه التجاريين، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، وانخفاض الاستهلاك، وبالتالي تراجع صادرات الدول المنتجة مثل الصين، وهو ما ينعكس على الإنتاج العالمي ويؤدي إلى تباطؤ النمو وخلل في سلاسل الإمداد، ومن ثم زيادة معدلات التضخم عالميًا.
وأضاف الفقي، أنه رغم أن السيناريو السابق لم يحدث بعد، لكنه مطروح بقوة ضمن توقعات الصندوق، وهو ما قد يؤثر على مصر باعتبارها دولة مستوردة. قائلًا : “نحن نستورد بنحو 85 مليار دولار، ونصدر بما لا يتجاوز 45 مليار دولار من السلع غير البترولية، وهو ما يجعلنا دولة ذات صافي واردات، ما يعرضنا لتأثر أكبر بالتضخم العالمي”.
وأكد الفقي، أن صندوق النقد يرى ضرورة أن يتوخى البنك المركزي المصري الحذر في قرارات خفض أسعار الفائدة، خاصة بعد أن بدأت معدلات التضخم المحلية في التراجع على أساس سنوي.
وتابع الفقي، أن لجنة السياسة النقدية أمامها 6 اجتماعات خلال العام الحالي 2025، وأنه من المهم أخذ توصيات الصندوق بعين الاعتبار لتحقيق توازن بين تحفيز الاقتصاد والسيطرة على التضخم.
وأشار الفقي، إلى أن تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أبريل توقع أن يبلغ متوسط معدل التضخم في مصر خلال العام المالي الجديد 2025/2026 نحو 12.5% (وفقًا لمتوسط 12 شهرًا)، بينما تتوقع وزارة التخطيط أن يصل إلى 13%.
وفيما يتعلق بمعدلات النمو الاقتصادي، قال الفقي إن صندوق النقد خفّض تقديراته لكثير من دول العالم، لكنه رفع توقعاته للنمو لمصر من 3.6% في مراجعة يناير إلى 3.8% في أبريل للعام المالي الجاري، كما رفع التوقعات للعام المالي المقبل من 4.1% إلى 4.3%.
وأشار إلى أن خطة وزارة التخطيط المعروضة على مجلس النواب تستهدف معدل نمو يبلغ 4.5% خلال العام المالي 2025/2026، ما يعني أن توقعات صندوق النقد تقترب من المستهدفات الحكومية، بينما تتفق إلى حد كبير مع التقديرات الرسمية بشأن التضخم.
وقال إن البنك المركزي المصري يعمل على حماية نفسه من مخاطر التضخم المستورد، من خلال تطبيق معايير الأداء الكمي، والتي تتضمن مراقبة السيولة النقدية داخل الاقتصاد، و صافي الائتمان المحلي للقطاعين العام والخاص.
وأوضح الفقي، أن البنوك تساهم في تمويل عجز الموازنة العامة من خلال ما تعطيه لوزارة المالية، مشيرًا إلى أن وثيقة سياسة ملكية الدولة تستهدف أن ينمو صافي الائتمان الموجه للقطاع الخاص بنسبة أكبر من الموجه للحكومة، وذلك في إطار دعم النشاط الإنتاجي.
وأكد أن صندوق النقد الدولي يتابع هذا المؤشر باهتمام، بالتعاون مع البنك المركزي ووزارة المالية، لمناقشة حدود زيادة صافي الائتمان المحلي ضمن معايير الأداء الاقتصادي الكمي.
وأشار الفقي، إلى أن تجاوز السيولة النقدية داخل الاقتصاد حدودًا معينة يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، مضيفًا أن خفض سعر الفائدة من قبل البنك المركزي يشجع القطاع الخاص على الاقتراض، نظرًا لانخفاض تكلفة التمويل، وهو ما يدفع البنوك إلى تشغيل أموالها من خلال إقراض المستثمرين.
وذكر أن سعر الفائدة انخفض مؤخرًا من 27.25% إلى 25.25%، حيث يقوم البنك المركزي بسحب السيولة الزائدة من البنوك عبر عمليات “الكوريدور”، مما يقلل من تداول النقد في السوق.
وأكد أن صندوق النقد يترقب تطورات هذا الملف خلال النصف الثاني من العام المالي الجاري، حيث يشير المؤشر الحالي لدينا أننا نستهدف زيادة طفيفة في صافي الائتمان المحلي نتيجة خفض الفائدة.
وكشف الفقي أن كل زيادة بنسبة 1% في سعر الفائدة على اقتراض الحكومة تؤدي إلى زيادة أعباء فوائد الدين العام بأكثر من 80 مليار جنيه سنويًا. وبالتالي، فإن خفض الفائدة بمقدار 2.25% سيساهم في تقليل تلك الأعباء بنحو 180 مليار جنيه، وهو ما يمثل دعمًا كبيرًا للموازنة العامة.
ولفت الفقي في تصريحاته أن معايير الأداء الكمي تركز بشكل خاص على معدلات التضخم وصافي الائتمان المحلي للقطاع الخاص، انطلاقًا من أهمية دعم الاستثمار والنشاط الاقتصادي غير الحكومي.
وأوضح الفقي، أن المناقشات شملت المؤشرات الهيكلية المتعلقة بتعزيز دور القطاع الخاص، مشيرًا إلى أن المستهدف خلال العام المالي المقبل هو أن يمثل القطاع الخاص 65% من إجمالي الاستثمارات في مصر، مقابل 35% فقط للحكومة، بدلاً من التوزيع الحالي البالغ 50% لكلا الطرفين، وذلك اتساقًا مع أهداف وثيقة سياسة ملكية الدولة.
وفيما يخص برنامج الطروحات الحكومية، أشار الفقي إلى أن الصندوق ناقش مع الحكومة أسباب التباطؤ في تنفيذ البرنامج.
وفسّرت الحكومة هذا التباطؤ بوجود تحديات إقليمية ودولية تؤثر على مناخ الاستثمار، منها النزاع في السودان جنوبًا، والاضطرابات في ليبيا، وتوترات في باب المندب، إلى جانب تراجع إيرادات قناة السويس، مما يقلل من شهية المستثمرين الأجانب للدخول في السوق المصري في الوقت الراهن. وشددت الحكومة على أنها لن تقوم ببيع أصول الدولة “بثمن بخس”، رغم استعدادها الكامل للمضي قدمًا في الطروحات.
وأضاف أن صندوق النقد أبدى تفهمًا للظروف المحيطة وتأثيرها على وتيرة الطروحات، واقترح إدراج بند “الإرجاء” في ملف الطروحات الحالي، مع توضيح الأسباب، ليتم عرضه على مجلس إدارة الصندوق.
وأكد الفقي، على أنه في حال موافقة مجلس الإدارة على المراجعة، ستتسلم مصر الشريحة الخامسة بقيمة 1.2 مليار دولار، بالإضافة إلى الشريحة الأولى من التمويل الاستثنائي الخاص بـ”الصلابة والاستدامة”، بقيمة 1.3 مليار دولار أخرى، تُصرف بحوالي 350 مليون دولار كدفعة أولى. وسيتبقى بعد ذلك ثلاث شرائح أخرى تصرف مع ثلاث مراجعات قادمة مع صندوق النقد الدولي.
وفيما يتعلق بسعر الصرف، قال الفقي إن الصندوق أعرب عن رضاه عن الإجراءات المتبعة، موضحًا أن سعر الدولار شهد ارتفاعًا مؤقتًا ليصل إلى 51.70 جنيه نتيجة توترات باب المندب وتخفيض الفائدة من قبل البنك المركزي، ما أدى إلى خروج بعض رؤوس الأموال الأجنبية. لكنه عاد إلى التراجع عند 50.17 جنيه في ظل الهدوء النسبي في الأوضاع الدولية.
وأشار الفقي، إلى أن الصندوق نصح بأهمية استمرار البنك المركزي في تبني سياسة مرونة سعر الصرف، وتركه لقوى العرض والطلب، ما يسهم في القضاء على السوق الموازية للعملة.
وذكر الفقي، في تصريحاته أن أداء الحكومة المصرية يسير في الاتجاه الصحيح وفقًا لمراجعات صندوق النقد، مضيفًا أن حصول مصر على الموافقة على مستوي الخبراء يعد مؤشرًا قويًا لموافقة مجلس الإدارة في واشنطن، حيث تحتاج مصر للحصول على ثلثي الأصوات (65%) من المجلس التنفيذي للصندوق.
اقرأ أيضًا :
فخري الفقي: مصر تتحول للدعم النقدي بشكل كامل من موازنة 2026-2027
“إيفولف القابضة” تدرس طرح أدوات مالية جديدة لتوفير السيولة لصناديق الاستثمار
فخري الفقي: كل 1% خفض في الفائدة يقلل عجز الموازنة 80 مليار جنيه