34 مليون مهاجر.. رقم يكشف أبعادًا جديدة لملف الهجرة بين دول الاتحاد من أجل المتوسط
أطلق الاتحاد من أجل المتوسط، اليوم في برشلونة، تقريره المرحلي الثاني حول التكامل الإقليمي، كاشفًا عن واقع الترابط الاقتصادي في المنطقة الأورومتوسطية. التقرير، الذي أُعد بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، سلط الضوء على استمرار التشرذم الاقتصادي رغم حجم التجارة، وتحديات الهجرة المتزايدة، مع تقديم توصيات سياساتية لدعم التنمية المستدامة والشاملة.
واقع التكامل الاقتصادي في المنطقة الأورومتوسطية
يوفّر التقرير، الذي اعتمد على بيانات وتحليلات معمّقة، رؤية شاملة لوضع الترابط الاقتصادي في المنطقة الممتدة بين أوروبا ودول البحر المتوسط. على الرغم من أن التدفقات التجارية بين الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط مثّلت ثلاثين بالمئة من إجمالي الصادرات العالمية خلال عام ألفين واثنين وعشرين، إلا أن السوق الأورومتوسطية لا تزال تعاني من التشرذم. وفيما أظهر الاستثمار الأجنبي المباشر قدرة على الصمود في وجه التحديات، فإنه في العديد من البلدان لم يبلغ بعد مستوى التحويلات المالية.
تحديات الهجرة وإدارة المواهب في المنطقة
شهدت أعداد المهاجرين بين دول الاتحاد من أجل المتوسط زيادة ملحوظة، حيث ارتفعت بنحو ثمانين بالمئة مقارنة بعام ألف وتسعمئة وتسعين، ليصل عددهم إلى أربعة وثلاثين مليون شخص، معظمهم من مواطني دول الاتحاد الأوروبي. وفي سياق متصل، ومع ارتفاع معدلات الهجرة داخل دول الاتحاد من أجل المتوسط بنسبة ستة بالمئة بين عامي ألفين وواحد وعشرين وألفين وأربعة وعشرين، يشير التقرير إلى تزايد الوعي بضرورة إدارة هذه الأنماط الهجرية بشكل أفضل. يبرز هنا الدور الحيوي لبرامج شراكة المهارات والمواهب، التي تهدف إلى المواءمة بين احتياجات البلدان المرسلة والمستقبلة، للحد من هجرة الكفاءات وتلبية متطلبات أسواق العمل والتنمية المستدامة.
التحول الأخضر والبنية التحتية: آفاق للتعاون
يؤكد التقرير أن التكامل الإقليمي لا يزال دون المستوى المأمول، ويعزى ذلك إلى التحديات المستمرة التي تعيق حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأفراد والتقنيات. ومع ذلك، يفتح التحول الأخضر آفاقًا واعدة للتقدم، مدعومًا بتنامي ترابط البنية التحتية وتطور أنماط تنقل الأفراد. ويسلط التقرير الضوء على أن تعزيز الربط في البنية التحتية لا يقتصر على دعم التجارة والاستثمار الإقليميين فحسب، بل يسهم أيضًا في توثيق التعاون بمجالات البحث والابتكار، وتنويع الاقتصادات في الدول الأكثر احتياجًا. فتطوير شبكات النقل، من خلال ربط الطرق والسكك الحديدية والممرات البحرية، يمكن أن يحسّن المسارات اللوجستية ويعزز الاستدامة، خاصة وأن المنطقة مسؤولة عن ثلاثة عشر فاصلة أربعة بالمئة من الانبعاثات الناتجة عن قطاع النقل عالميًا، بزيادة بلغت أربعين بالمئة منذ عام ألف وتسعمئة وتسعين. كما يرى التقرير أن تبادلات الطاقة المتجددة في حوض البحر المتوسط، بما تحمله من إمكانات ضخمة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكن أن تسهم بفعالية في تحقيق الأهداف المناخية الطموحة للاتحاد الأوروبي، شريطة تطوير البنية التحتية ودمجها ضمن الشبكات المحلية والإقليمية للطاقة.
محاور التقرير الرئيسية وتأثير الأزمات العالمية
تزامن إصدار التقرير مع الذكرى الثلاثين لانطلاق عملية برشلونة، مستندًا إلى نسخته الأولى الصادرة عام ألفين وواحد وعشرين. يستعرض هذا التقرير نتائج محورية وتوصيات سياساتية ضمن خمسة مجالات رئيسية:
- التجارة
- التمويل
- البنية التحتية
- تنقل الأفراد
- التعليم العالي والبحث العلمي
كما أشار التقرير إلى التداعيات العميقة للنزاعات الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط، وما نجم عنها من تأثيرات سلبية على سلاسل التوريد، وأمن الطاقة، والأسعار، إضافة إلى انعكاساتها على جذب الاستثمار، وتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز الصمود. في المقابل، يبرز التقرير بوادر إيجابية على صعيد تنامي العلاقات بين دول الاتحاد من أجل المتوسط ومنطقة الخليج، التي أصبحت تشكل مصدرًا حيويًا للاستثمار الأجنبي المباشر، لا سيما في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى المبادرات القارية الواعدة في إفريقيا.
دعوة لتعزيز التكامل الإقليمي من أجل التنمية المستدامة
وفي تعليق له، صرح ناصر كامل، الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، بأن “التكامل الإقليمي لطالما كان في صميم مهمة الاتحاد من أجل المتوسط”. وأضاف أن التقرير يقر بالتقدم المحرز بينما يرصد التحديات القائمة، مشيرًا إلى أن الأزمات الإقليمية والدولية تستمر في إعادة تشكيل الاقتصادات، مما يبرز الحاجة الملحة للتحول نحو نماذج اقتصادية أكثر حداثة واستدامة. ودعا كامل إلى “اغتنام هذه اللحظة لبناء اقتصادات شاملة، تُمكّن الشباب والنساء من الإسهام والازدهار، انطلاقًا من التزام جماعي بجعل التكامل الإقليمي محركًا للتنمية”.