مشهد فلكي نادر.. القمر يتعامد على الكعبة المشرفة فجر اليوم | الحقيقة وراء الظاهرة

تشهد سماء مكة المكرمة فجر الجمعة الموافق 12 سبتمبر 2025 ظاهرة فلكية مميزة تتمثل في تعامد القمر الأحدب المتناقص على الكعبة المشرفة. يعد هذا الحدث ليس فقط مشهدًا بصريًا آسرًا للناظرين، بل يحمل دلالات علمية دقيقة وفوائد عملية يمكن الاستفادة منها في مجالات متعددة مثل تأكيد الحسابات الفلكية وتحديد اتجاه القبلة.

تفاصيل الظاهرة الفلكية: متى وكيف؟

أفادت الجمعية الفلكية بجدة في تقرير لها أن القمر سيصل إلى أقصى ميل له عند خط عرض مكة، وسي متوسطًا خط زوالها تمام الساعة 03:50 صباحًا بالتوقيت المحلي. يأتي هذا التوقيت قبل حوالي 61 دقيقة من موعد أذان الفجر في المسجد الحرام. سيظهر قرص القمر مضاءً بنسبة 76%، مرتفعًا عن أفق مكة بمقدار 89.5 درجة، بينما تفصل بينه وبين الشمس زاوية استطالة تبلغ 121 درجة. سيكون القمر على مسافة تبعد عن الأرض 366,110 كيلومترات في هذه اللحظة. في نفس التوقيت، يمكن للمراقبين رؤية كوكب المشتري باتجاه الشرق وكوكب زحل باتجاه الغرب، بالإضافة إلى عدد من النجوم اللامعة التي تزين سماء مكة المكرمة.

أهمية تعامد القمر: من المشاهدة إلى العلم

تُعد ظاهرة تعامد القمر الأحدب المتناقص على الكعبة فرصة استثنائية للزوار والمصلين لمشاهدة مشهد فلكي نادر وخلاب. أما بالنسبة للعلماء والمهتمين بعلم الفلك، فإن هذا الحدث يمثل اختبارًا عمليًا بالغ الأهمية لمدى دقة النماذج الفلكية والحسابات الرياضية لحركة الأجرام السماوية. يتيح لهم هذا التعامد فرصة لمقارنة التوقعات النظرية بالرصد الفعلي، وتحليل الزوايا والارتفاعات، مما يؤكد دقة هذه الحسابات وتطور علم الفلك.

تحديد اتجاه القبلة بدقة باستخدام تعامد القمر

تعتبر ظاهرة تعامد القمر إحدى الطرق العلمية القديمة والحديثة لتأكيد دقة حركة الأجرام السماوية، ومنها القمر. يمكن استغلال هذه الظاهرة في تحديد اتجاه القبلة بسهولة من عدة مناطق حول العالم. فالقاطنون في المواقع الجغرافية البعيدة عن المسجد الحرام، والتي يظهر فيها القمر فوق الأفق وقت التعامد، يمكنهم توجيه أنفسهم نحو القمر لمعرفة اتجاه مكة بدقة تقارب دقة التطبيقات الذكية المتخصصة. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن التعامد نادرًا ما يكون مطابقًا تمامًا لخط عرض الكعبة، وقد يكون بفارق بسيط. لذا، لا يعتمد على هذه الظاهرة لتحديد القبلة في المدن القريبة جدًا من مكة مثل جدة وعسفان والطائف، بينما تكون دقتها جيدة للمدن البعيدة في منطقة الخليج العربي والدول العربية. وللحصول على نتائج أكثر دقة، يستخدم المتخصصون أجهزة قياس فلكية متقدمة.

تعامد القمر دليل عملي على كروية الأرض

بالإضافة إلى الفوائد المذكورة، يعد تعامد القمر على الكعبة المشرفة دليلًا عمليًا قويًا على كروية الأرض. فظاهرة التعامد تحدث فقط عند خط الطول والعرض المحدد لمكة المكرمة. لو كانت الأرض مسطحة، لكان بالإمكان رؤية التعامد نفسه من مسافات بعيدة وفي اتجاهات مختلفة. لكن الأرصاد العملية تؤكد أن التعامد يحدث بدقة عالية في موقع واحد محدد فقط، مما يبرهن على انحناء سطح الأرض. يظهر ذلك بوضوح في اختلاف ارتفاع القمر عن الأفق عند التحرك شمالًا أو جنوبًا أو شرقًا أو غربًا من مكة. فعلى سبيل المثال، يظهر التعامد بشكل كامل في مكة، بينما لا يكون تامًا في مدن مثل جدة أو الرياض، وهذا يؤكد انحناء سطح الكوكب. يستطيع العلماء حساب وقت التعامد وزاويته بدقة فائقة باستخدام نموذج الأرض الكروية، وتطابق النتائج المرصودة مع التوقعات الرياضية يعزز بشكل قاطع مفهوم كروية الأرض.

دورة القمر وتوقيت التعامد

يختلف ميل القمر أثناء حركته الشهرية حول الأرض ضمن نطاق يتراوح بين ±5 درجات عن دائرة البروج. وهذا التغير هو السبب في أن تعامد القمر على الكعبة لا يحدث إلا في أوقات معينة ومحددة بدقة عالية قد تصل إلى ±0.5 درجة. على الرغم من أن هذه الظاهرة الفلكية نادرة مقارنة بالدورات السنوية للقمر حول الأرض، إلا أن التقدم العلمي يجعل من الممكن التنبؤ بها وتحديد موعدها بدقة متناهية، مما يمنح فرصة للرصد والدراسة.

تُقدم ظاهرة تعامد القمر الأحدب المتناقص على الكعبة المشرفة مشهدًا فلكيًا يجمع بين الدقة العلمية والجمال البصري، ويعكس التناغم البديع بين حركة الأجرام السماوية والمواقع الجغرافية على الأرض. مثل هذه الظواهر تمنح العلماء والمهتمين بعلم الفلك فرصة ثمينة لاستكشاف العلاقة المعقدة بين الفضاء والأرض من منظور عملي ورصدي، كما تمنح الزوار والمصلين تجربة فريدة للتأمل في جمال الكون وعجائبه.