تحرك عاجل.. “حافلات الموت” المدرسي بجهة فاس-مكناس تحت المجهر
شهد إقليم صفرو مؤخراً أزمة حادة في قطاع النقل المدرسي كشفت عن واقع مرير يهدد سلامة مئات التلاميذ. جاء ذلك خلال دورة عادية للمجلس الإقليمي، حيث تسببت الصور الصادمة للحافلات المتهالكة وردود الأفعال القوية لعامل الإقليم في تحرك عاجل وغير مسبوق لمعالجة الوضع وإنقاذ الموسم الدراسي الجديد. تدخل العامل إبراهيم أبو زيد بقوة لدفع جميع الأطراف للتعاون بعد سنوات من الإهمال والتقصير.
الكشف الصادم عن واقع النقل المدرسي المتردي في صفرو
كشف المجلس الإقليمي لصفرو خلال أشغال دورته العادية التي عُقدت مؤخراً، عن واقع “كارثي” لقطاع النقل المدرسي، مما أثار صدمة الحضور وفي مقدمتهم عامل الإقليم، إبراهيم أبو زيد. هذا الكشف جاء بعد خطوة جريئة من المجلس لـ “تعرية” الوضع المتردي، الذي كان يشكل عبئاً على التلاميذ وأسرهم. عقب ما شاهده وسمعه، دعا عامل الإقليم إلى تشكيل لجنة فورية لتجاوز الإشكالات العميقة التي طُرحت بوضوح وصراحة، محولاً اللامبالاة السابقة إلى حالة استنفار شاملة تهدف إلى خدمة مصلحة أبناء المغرب، بعد أن كانوا لسنوات في ذيل الأولويات لدى العديد من المسؤولين والمنتخبين المحليين في إقليم صفرو.
تفاصيل أزمة النقل المدرسي: من التخطيط إلى الإهمال
لم تكن أزمة النقل المدرسي في إقليم صفرو وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لتراكمات وإهمال طويل. فبعد أكثر من سنتين من الجهود المكثفة لأطر المجلس الإقليمي، والتي تضمنت إعداد دفتر تحملات نموذجي بالاطلاع على تجارب عمالات أخرى مثل بركان وتمارة، والمصادقة على اتفاقية إطار بهدف تنظيم القطاع وتعميمه، كان الهدف هو توفير نقل مدرسي آمن وموثوق. توجت هذه الجهود بعقد اجتماع مهم في يونيو الماضي، مع نهاية الموسم الدراسي، لوضع خطة عمل سلسة لضمان دخول مدرسي ناجح وتوفير حافلات مناسبة. كان من المتوقع أن توفر الخطة الجديدة 102 منصب شغل دائم، قابلة للارتفاع إلى 200 وظيفة في الأعوام القادمة، لدعم تدبير النقل المدرسي بشكل فعال ومستدام.
عرقلة التجديد ورفض الجماعات المحلية للشراكة الجديدة
على الرغم من الخطط الطموحة التي وضعها المجلس الإقليمي لصفرو، بقيت القرارات المتخذة حبراً على ورق محضر الاجتماع، حيث لم تباشر العديد من الجهات المسؤولة، سواء المنتخبة أو المعينة، تنفيذها قبل حلول الدخول المدرسي الجديد. كان من بين الإجراءات الأساسية مراسلة الجمعيات المحلية التي تدير النقل المدرسي في 15 جماعة، لفسخ ارتباطها تمهيداً للشراكة الجديدة مع جمعية إقليمية متخصصة هي “جمعية الأمل للنقل المدرسي”، إضافة إلى مراقبة حالة الحافلات. لكن عدداً من الجماعات رفضت المصادقة على اتفاقية الشراكة الجديدة لأسباب وصفها البعض بأنها “لا علاقة لها” بالمصلحة العامة، حيث تشير بعض المصادر إلى أن رفض إحدى الجماعات كان بسبب انحدار رئيس الجمعية الجديدة من جماعة أخرى، فيما يرى آخرون أن دوافع سياسية تتحكم في قرارات باقي الجماعات الرافضة لمشروع تحسين النقل المدرسي. وقد أكد عامل الإقليم بحزم خلال تدخله المثير، أن “أبناء المغاربة لا يمكن أن يكونوا موضوعاً لحسابات سياسية”، مشدداً على أولوية تعليمهم وسلامتهم.
حافلات الموت: صور صادمة تكشف الخطر الداهم على سلامة التلاميذ
كشفت الدورة العادية للمجلس الإقليمي عن صور صادمة للغاية تظهر الحالة المزرية لبعض الحافلات المخصصة لنقل التلاميذ، والتي يمكن وصفها بـ “حافلات الموت”. عرضت هذه الصور واقعاً مأساوياً يهدد حياة الأطفال بشكل مباشر، حيث أظهرت حافلات بدون أبواب، وأخرى تم تعويض إحدى عجلاتها بأخرى غير مناسبة، لتتحول إلى “حافلة عرجاء”. كما أبرزت الصور الحالة الكارثية لإطارات وعجلات ومقاعد عدد كبير من الحافلات المخصصة لـ “جيل المستقبل”. أكدت عدة تدخلات خلال الدورة هذا الواقع المرير، متحدثة عن أعطاب خطيرة تم التستر عليها، في استهتار واضح بأرواح الأطفال الأبرياء ومستقبلهم. وتحدثت مصادر أيضاً عن سرقة إطارات الحافلات واستبدالها بأخرى شديدة التدهور. حتى جماعة اغبالو أقورار، التي تورط رئيسها سابقاً في فضيحة استغلال حافلات النقل المدرسي لنقل نساء إلى حامة عين الله أيام امتحانات البكالوريا، لم تسلم ثلاث حافلات بسبب سوء حالتها الميكانيكية ووضعها غير الصالح للاستخدام.
تحرك عاجل لمعالجة أزمة النقل المدرسي وتأهيل الحافلات
في محاولة للخروج من هذا المأزق الخطير الذي يهدد سلامة النقل المدرسي في صفرو، وبعد “تقريع” عامل الإقليم للمسؤول عن برامج التنمية البشرية وصرخته الواضحة بأن “هادشي حشومة وعيب وعار!”، أُعلنت حالة استنفار شاملة. تم توجيه تعليمات فورية بجمع جميع الحافلات المتضررة في نفس اليوم، الموافق للثامن من سبتمبر الماضي، بهدف إصلاحها وتأهيلها للخدمة في أقرب الآجال. كما وجه رئيس المجلس الإقليمي دعوة لعقد دورة استثنائية بتاريخ الثاني عشر من سبتمبر، لتوفير اعتماد مالي بقيمة أربعين مليون سنتيم (ما يعادل 400 ألف درهم مغربي) لتمويل هذه الإصلاحات العاجلة، التي كان من المفترض أن تقوم بها الجمعيات المحلية تحت مراقبة الجماعات. يهدف هذا التحرك السريع إلى ضمان لحاق تلاميذ إقليم صفرو بأقسامهم في ظروف آمنة وعادية مع انطلاق الموسم الدراسي.
تساؤلات مفتوحة حول مسؤولية التقصير وازدواجية التدبير
رغم التحركات الأخيرة، تبقى العديد من التساؤلات المشروعة مطروحة بقوة أمام هول ما تم الكشف عنه، حول مسؤولية جميع الأطراف المعنية في تدبير النقل المدرسي:
- أين كان ممثلو المؤسسات والإدارات المختلفة عندما كانت “حافلات الموت” المدرسية تتجول في طرقات الإقليم بدون أبواب وعجلات مناسبة؟
- لماذا لم تعترض أطر المديرية الإقليمية للتعليم على الظروف الكارثية التي كان ينقل فيها أبناء المغاربة إلى مدارسهم؟
- من سيُحاسب المستهترين بأرواح التلاميذ والمبذرين للمال العام، وهل ستتم مساءلة المقصرين في أداء واجبهم؟
تضاف إلى هذه التساؤلات قضية أخرى كشف عنها رئيس المجلس الإقليمي في رسالة شديدة اللهجة موجهة إلى رئيس مجلس جهة فاس مكناس، عبد الواحد الأنصاري. فبتاريخ فاتح غشت 2024، تلقى المجلس الإقليمي مراسلة من مجلس الجهة لاقتناء حافلات للنقل المدرسي، وسارع المجلس الإقليمي للمصادقة على الاتفاقية في وقت قياسي. لكن المفاجأة كانت بإقدام مجلس الجهة على تفويت 11 حافلة وتوزيعها مباشرة على عدد من الجماعات. اعتبر رئيس المجلس الإقليمي هذا التفويت خطوة تخلق ازدواجية في التدبير وتفتح الباب أمام ارتباك مؤسساتي وميداني، داعياً إلى تصحيح الوضع بإعادة توجيه الحافلات إلى المجلس الإقليمي باعتباره الهيئة المختصة قانوناً بتدبير قطاع النقل المدرسي، مما يثير تساؤلات حول التنسيق والمسؤوليات بين الهيئات الإقليمية والجهوية في ضمان جودة خدمة النقل المدرسي وسلامة أبنائنا ومستقبلهم التعليمي.