ثروة بمليارات الدولارات.. ابتكار سعودي يحوّل الكربون المحتجز لمواد صناعية ذات قيمة

جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “كاوست” تُعلن عن إنجاز علمي رائد يتمثل في ابتكار نظام متطور لتحويل غازات الاحتباس الحراري، وفي مقدمتها ثاني أكسيد الكربون، إلى منتجات صناعية ذات قيمة عالية. هذا الابتكار المنشور في مجلة Nature Catalysis يفتح آفاقاً جديدة لإنتاج الإيثيلين الصناعي، المكون الأساسي في صناعات البلاستيك والمنسوجات، من الكربون المحتجز، مما يحول الانبعاثات الضارة إلى فرص اقتصادية ضخمة تخدم أهداف الاستدامة العالمية.

كاوست تحول ثاني أكسيد الكربون إلى إيثيلين صناعي

أعلن فريق بحثي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “كاوست” عن تطوير تقنية مبتكرة قادرة على تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو أحد أبرز غازات الاحتباس الحراري، إلى الإيثيلين الصناعي. يُعد الإيثيلين من أهم المواد الكيميائية عالميًا، حيث يدخل في صناعة البلاستيك ومواد البناء والمنسوجات، ويبلغ حجم سوقه العالمي أكثر من 200 مليار دولار سنويًا. هذا الإنجاز العلمي، الذي نُشرت تفاصيله في المجلة العلمية المرموقة Nature Catalysis، يقدم مسارًا واعدًا لإعادة تدوير الانبعاثات الكربونية وتحويلها إلى قيمة اقتصادية وبيئية.

آلية عمل نظام التحليل الكهربائي الجديد

أوضح البروفيسور شو لو، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية والباحث الرئيس في الدراسة، أن النظام المبتكر يعتمد على تقنيات تحليل كهربائي عالية الضغط. وقد صُممت هذه التقنيات لتعمل في ظروف صناعية مشابهة للواقع، وأظهرت قدرة فائقة على تحويل ثاني أكسيد الكربون المضغوط بكفاءة إلى إيثيلين. وبالمقارنة مع الأنظمة السابقة، يقلل هذا الابتكار من التكاليف بشكل ملحوظ ويزيد من استقرار العملية، مما يجعله حلًا عمليًا لمواجهة تحديات الانبعاثات الكربونية.

تحويل عبء الكربون إلى مصدر دخل اقتصادي

يبرز هذا الابتكار كحل استراتيجي يعكس الفهم الجديد للتعامل مع انبعاثات الكربون. فبدلاً من اعتبار عملية احتجاز الكربون مجرد عبء مالي مكلف، يحوله نظام كاوست إلى مصدر دخل حقيقي. أوضح البروفيسور لو أن التقنية توفر وسيلة عملية لاستغلال ثاني أكسيد الكربون كمادة أولية قيمة لإنتاج مركبات صناعية مطلوبة عالميًا، مما يقلل من التكاليف التشغيلية ويساهم في بناء اقتصاد دائري.

مقارنة تكاليف إنتاج الإيثيلين: كاوست تتفوق بيئياً

تُظهر البيانات الأولية أن النظام الجديد قادر على إنتاج طن واحد من الإيثيلين بتكلفة تقارب 1240 دولارًا أمريكيًا، وهو سعر منافس للسعر السائد في السوق العالمية. غير أن الميزة الجوهرية تكمن في اعتماد هذه التقنية على الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وعدم توليدها لانبعاثات إضافية. وهذا يتناقض بشكل مباشر مع الطرق التقليدية التي تستهلك كميات ضخمة من الطاقة وتعتمد على الوقود الأحفوري، مما يجعل ابتكار كاوست خيارًا مستدامًا بامتياز.

دعم رؤية السعودية 2030 وأهداف الاستدامة

يتوافق هذا الابتكار بشكل مباشر مع طموحات المملكة العربية السعودية ضمن رؤية 2030، التي تركز على تعزيز الابتكار والاقتصاد المستدام. كما يتماشى مع مبادرة “السعودية الخضراء” الهادفة إلى خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060. ويعكس المشروع التزام “كاوست” بدورها كمركز بحثي عالمي يسعى لتقديم حلول عملية للتحديات البيئية والاقتصادية الكبرى، ويدعم جهود المملكة في التحول نحو مستقبل أكثر خضرة.

آفاق مستقبلية لتحويل الانبعاثات الكربونية

لا تقتصر أهمية هذا النظام على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى الإيثيلين فحسب، بل يفتح الباب أمام تطوير تقنيات مشابهة لتحويل الكربون إلى مجموعة واسعة من المواد الكيميائية الأخرى. يؤكد الخبراء أن هذا التوجه سيعزز فرص خلق صناعات جديدة قائمة على إعادة تدوير الانبعاثات، ويشكل نقلة نوعية في كيفية تعامل العالم مع التحديات المناخية. فبدلًا من أن يكون الكربون عبئًا بيئيًا، يمكن أن يتحول إلى مورد حيوي يفتح آفاقًا اقتصادية جديدة ومستدامة. يعمل الفريق البحثي حاليًا على تطوير كفاءة النظام وتوسيع نطاقه الصناعي لدمجه في قطاعات متعددة مثل الطاقة والبتروكيماويات ومواد البناء، مما يقربنا خطوة نحو مستقبل خالٍ من الانبعاثات.