لماذا تظل الأهم؟.. مقبرة توت عنخ آمون تكشف أبعادًا جديدة في تاريخ الاكتشافات الأثرية
تستعد كنوز الملك الشاب توت عنخ آمون للانتقال الكامل إلى المتحف المصري الكبير، حيث يتم حاليًا نقل القطع الأثرية المتبقية من المتحف المصري بالتحرير. تهدف هذه الخطوة إلى عرض المجموعة الفريدة لمقبرة الفرعون الذهبي، التي اكتشفت سليمة نسبيًا بوادي الملوك، في مكان واحد للمرة الأولى، تمهيدًا للافتتاح الرسمي المرتقب للمتحف. هذا الحدث يعيد تسليط الضوء على أهمية هذا الاكتشاف الأثري العالمي.
اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون: الحدث الذي هز العالم عام 1922
في عام 1922، أذهل العالم اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون على يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في وادي الملوك بالأقصر. هذا الاكتشاف التاريخي لم يتصدر عناوين الصحف العالمية فحسب، بل كشف عن كنوز ذهبية لا تقدر بثمن وقطع أثرية فاخرة ظلت محفوظة بشكل شبه كامل لأكثر من ثلاثة آلاف عام. اليوم، تُعد مقبرة توت عنخ آمون وكنوزها رمزًا لمصر، ويظل اكتشافها من أهم المآثر الأثرية على الإطلاق.
كان هوارد كارتر أول من يطأ قدمه أرض غرفة دفن الملك توت عنخ آمون بعد قرون طويلة، وذلك أثناء عمله في الحفريات قرب مدخل قبر الملك رمسيس الرابع. بعد أن لاحظ وجود قبو غامض، استمر في التنقيب الدقيق حتى دخل الغرفة الرئيسية. كانت جدران هذه الغرفة مزينة برسوم بديعة تحكي رحلة الملك إلى العالم الآخر. أحدث هذا الكشف صدى واسعًا في العالم كله، لكونها أول مقبرة فرعونية تكتشف بكامل محتوياتها وزينتها، من قلائد وخواتم وتيجان وعصي كلها مصنوعة من الذهب الخالص والأبنوس. لاحظ كارتر وجود صندوق خشبي مزخرف بالذهب في قلب الغرفة، وعندما رفعه، وجد صناديق أخرى متداخلة، حتى وصل إلى التابوت الحجري الضخم الذي كان على شكل تمثال للملك توت عنخ آمون. وبعد رفع الغطاء الحجري، ظهر التابوت الذهبي الرئيسي، الذي كان هو الآخر على هيئة تمثال للملك الشاب، وكان يضم بداخله تابوتين ذهبيين آخرين.
مقبرة فريدة بحجم متواضع وكنوز استثنائية
على الرغم من الثروات الهائلة التي ضمتها، فإن مقبرة توت عنخ آمون، التي تحمل الرقم 62 في وادي الملوك، تتميز بحجمها المتواضع وتصميمها المعماري البسيط مقارنة بالمقابر الملكية الأخرى في الموقع نفسه. ويعزى هذا غالبًا إلى وصول توت عنخ آمون إلى العرش في سن مبكرة جدًا وحكمه لمدة تسع سنوات فقط.
تكهن العديد من العلماء بأن الحجم الصغير لمقبرة الملك توت عنخ آمون (KV62) ربما يعود إلى وفاته المفاجئة، وأن المقبرة التي كانت مخصصة له في الأصل (KV23) لم تكن قد اكتملت بعد، وتم استخدامها لاحقًا لدفن خليفته الملك آي. لا يزال الغموض يكتنف سبب نحت مقبرة (KV62)، لكن يُعتقد أنها كانت في الأساس إما مقبرة خاصة لشخص آخر أو منطقة تخزين جرى توسيعها لاحقًا لتستقبل مومياء الملك. بغض النظر عن السبب، فقد احتوت هذه المقبرة الصغيرة حوالي 5000 قطعة أثرية كانت مكدسة بإحكام شديد. هذه القطع تعكس الحياة اليومية في القصر الملكي، وتشمل ملابس ومجوهرات ومستحضرات تجميل وبخورًا وأثاثًا وكراسي وألعابًا وأواني مصنوعة من مواد متنوعة، بالإضافة إلى مركبات وأسلحة وغيرها من الأدوات التي استخدمها توت عنخ آمون في حياته.
ومن مفارقات التاريخ أن الملك الصغير توت عنخ آمون، الذي ارتبط بالملك إخناتون غير الشعبي ومُحي اسمه من سجلات مصر القديمة، قد تجاوزت شهرته اليوم شهرة العديد من أعظم ملوك مصر القديمة بفضل اكتشاف مقبرته سليمة.
مستقبل كنوز توت عنخ آمون: الانتقال إلى المتحف المصري الكبير
شهد المتحف المصري الكبير خلال شهر مايو الماضي استقبال 163 قطعة أثرية ثمينة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، قادمة من المتحف المصري بالتحرير. تأتي هذه الخطوة ضمن خطة شاملة لنقل وعرض المجموعة الكاملة للفرعون الشاب لأول مرة في مكان واحد، استعدادًا للافتتاح الرسمي المرتقب للمتحف في الأول من نوفمبر المقبل.
في الوقت الراهن، أكد الدكتور علي عبد الحليم، مدير المتحف المصري بالتحرير، أن الـ23 قطعة أثرية المتبقية من مقتنيات الملك توت عنخ آمون لا تزال في متحف التحرير. وأشار في تصريحات خاصة إلى أن عملية نقلها إلى المتحف المصري الكبير ستتم خلال الأيام القليلة القادمة، وذلك بناءً على الموعد الذي ستحدده هيئة المتحف المصري الكبير.
من أبرز القطع الأثرية التي تم نقلها مؤخرًا وتستعد للعرض في المتحف الكبير:
- الكرسي الاحتفالي الشهير الخاص بالملك توت عنخ آمون، والذي عُثر عليه في الممر المؤدي إلى المقبرة.
- المقصورة الخشبية المذهبة الخاصة بالأواني الكانوبية التي كانت تحوي أحشاء الملك.
- مجموعة فريدة من الحلي والمجوهرات والقلادات المصنوعة من الذهب والعقيق.
ويُعد الكرسي الاحتفالي من أروع الأمثلة على الفن في عصر الدولة الحديثة، حيث يتميز بتطعيمه البديع بالعاج والأبنوس والفيانس والذهب. يظهر في وسط مسنده قرص الشمس تعلوه الإلهة نخبت وهي تبسط جناحيها، بينما مسند القدمين مزين بزخارف رقائق ذهبية مبهرة.