ضغط معيشي متزايد.. الأسر تواجه تحدي الغلاء ومتطلبات الأبناء في واقع اقتصادي جديد
يشهد السوق هذه الأيام إقبالاً واسعاً من العائلات التواقة لتجهيز أبنائها بالملابس والأحذية الجديدة استعداداً للدخول المدرسي المرتقب. ورغم ارتفاع الأسعار، خاصة في بعض أنواع الأحذية، إلا أن هذا الموعد السنوي تحول إلى ما يشبه العيد بالنسبة للكثير من الأسر، حيث يلح الأبناء على اقتناء كل ما هو جديد ومواكب للموضة للظهور بمظهر لائق وجذاب في يومهم الدراسي الأول.
تجهيزات الدخول المدرسي: أسواق تعج بالحياة
لا تقتصر حركة التسوق المتزايدة على محلات الأدوات المدرسية التي شهدت طلباً كبيراً منذ افتتاح الأسواق التضامنية، بل تمتد لتشمل بقوة محلات بيع الملابس والأحذية وحتى الإكسسوارات. هذا الازدحام يبعث في نفوس المتسوقين شعوراً بأجواء الأعياد، حيث تكتظ المتاجر الكبرى والأسواق الشعبية، مثل تلك في البليدة، بالعائلات التي تبحث عن أحدث التصميمات لتلبية رغبات أبنائها. لم يعد الأمر مقتصراً على شراء الأساسيات، بل تطور ليصبح تقليداً سنوياً يتجدد فيه مظهر الطلاب بالكامل.
تحديات أولياء الأمور في تلبية رغبات الأبناء
تُشكل عملية تجهيز الأبناء للدخول المدرسي مهمة شاقة تتطلب جهداً ومالاً، كما رصدت “المساء” في آراء عدد من الأمهات. أم لأربعة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة (ابتدائي ومتوسط) أوضحت أن شراء الملابس الجديدة أصبح تقليداً لا يمكن التخلي عنه. فالذكور يحرصون على مجاراة زملائهم باقتناء علامات تجارية مشهورة في الأحذية والسراويل والقمصان، بينما تخصص الفتيات وقتاً أطول لاختيار الإكسسوارات المتناسقة مع ألوان الثياب ومواكبة أحدث صيحات الموضة. وتضيف الأم: “أحياناً نشعر ونحن نقتني هذه الملابس أننا نعيش أجواء العيد؛ فقد تحول الدخول المدرسي بتكاليفه الباهظة إلى ما يشبه عيداً، إذ يفرض الأبناء علينا اقتناء مستلزمات كثيرة فقط من أجل العودة إلى مقاعد الدراسة بمعنويات مرتفعة”.
وتؤكد مواطنة أخرى أن السنوات الماضية كانت تركز فيها على المستلزمات الأساسية كالمئزر أو الحقيبة، وتكتفي بتجديد قطعة واحدة فقط كحذاء جديد، بينما تقوم بتنظيف الأحذية الصالحة للاستعمال. لكن الوضع تغير اليوم، فأصبح الأبناء يقارنون أنفسهم بغيرهم، ويطالبون بأن تكون كل ثيابهم جديدة. تقول الأم: “حتى ابنتي أصرت على أن يحمل مئزرها بعض العبارات واسمها مطبوعاً عليه، مثلما هو شائع حالياً. ورغم حجم التكاليف فإننا نضطر لتلبية رغباتهم حتى لا يجدوا مبرراً للتقاعس عن الدراسة”.
وبينما تحاول بعض الأمهات التخفيف من حجم المصاريف، مثل أم لثلاثة أطفال سعت لاقتناء بعض الملابس خلال تخفيضات العطلة الصيفية، إلا أن ارتفاع أسعار ملابس الأطفال يظل تحدياً كبيراً. وتشير إلى أن بعض الأحذية من علامات معروفة يتجاوز سعرها 6 آلاف دينار جزائري. وتضيف: “لديّ ثلاثة أطفال، وكلهم يرغبون في ملابس جديدة. ومع تكاليف الأدوات المدرسية، حاولت قدر الإمكان تجهيزهم بما يلزم حتى يظهروا بمظهر لائق لا يقل عن زملائهم، إذ إن شراء الملابس الجديدة بالنسبة لي محفز نفسي يجعل أبناءنا يقبلون على الدراسة بفرح ورغبة”.
الأثر النفسي للملابس الجديدة على تحصيل الطلاب
من جانبهم، يؤكد المختصون في علم النفس، مثل البروفيسور آمال بن عبد الرحمان، أن اقتناء الملابس الجديدة، رغم ما يشكله من عبء مالي إضافي على كاهل الأولياء، يُعدّ عاملاً محفزاً نفسياً قوياً للأبناء. هذا التحفيز يساعدهم على العودة إلى مقاعد الدراسة بمعنويات مرتفعة ورغبة أكبر في التعلم. وتشدد البروفيسور على أن التحفيزات المادية من أبرز العوامل التي ترفع المعنويات وتدفع إلى بذل جهد أكبر؛ لأنها تعزز السلوكات الإيجابية لدى التلاميذ، ولا تترك لهم مجالاً للتقاعس أو التذمر، خاصة إذا تمكن الأولياء من تلبية كل احتياجات أبنائهم كما يرغبون. هذا الدعم النفسي عبر المستلزمات الجديدة يساهم في بناء ثقة الطالب بنفسه ويجعله أكثر استعداداً لمواجهة تحديات العام الدراسي الجديد.