مصر تعلنها صراحة.. وزير الخارجية يحدد الاستخدام الوحيد لمعبر رفح ويقطع الطريق أمام تهجير الفلسطينيين
جددت مصر تأكيدها على رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، مشددة على أن معبر رفح مخصص لدخول الأفراد والمساعدات الإنسانية والطبية فقط، وليس لتهجير السكان. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبدالعاطي، مع مفوض عام وكالة الأونروا، فيليب لازاريني، حيث شدد الوزير على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار ومعالجة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
موقف مصر الثابت: رفض التهجير ودعم الأونروا
أكد الدكتور بدر عبدالعاطي أن موقف مصر ثابت وراسخ برفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مشيرًا إلى أن معبر رفح هو معبر للأفراد والمساعدات فقط، وليس بوابة للتهجير القسري. وأضاف أن هناك خمسة معابر أخرى تربط قوات الاحتلال بقطاع غزة، وعليها تحمل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية في حال سعت لتهجير الفلسطينيين، مؤكدًا أن هذا الموقف يتوافق مع رأي المجتمع الدولي.
وشدد وزير الخارجية على التقدير المصري الكبير للجهود التي تبذلها وكالة الأونروا ومفوضها العام فيليب لازاريني، في ظل الظروف المعقدة التي يشهدها قطاع غزة، والتي وصلت إلى حد مجاعة كاملة الأركان “من صنع البشر والاحتلال الإسرائيلي”. ووجه التحية لعاملين الأونروا في الميدان على صمودهم وتفانيهم رغم ما يواجهونه من عراقيل وضغوط تصل إلى القتل من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
كما أثنى الوزير على المتطوعين والمتطوعات من أبناء الشعب المصري في الهلال الأحمر المصري، والذين يزيد عددهم على 35 ألفًا، لدورهم المحوري في تنسيق جهود الإغاثة الإنسانية لقطاع غزة.
الأونروا: شاهد على القضية الفلسطينية ودورها الحيوي
أوضح الدكتور بدر عبدالعاطي أن وكالة الأونروا ليست مجرد وكالة إغاثية، بل هي “شاهد عيان حقيقي على مسؤولية المجتمع الدولي الإنسانية تجاه القضية الفلسطينية”. ورفضت مصر أي محاولات تستهدف المساس بولاية الأونروا الممنوحة لها بموجب قرارات الأمم المتحدة، مؤكدة أن هذه المحاولات ستعمق معاناة الشعب الفلسطيني وتزعزع الاستقرار في المنطقة.
وأكد الوزير أن مهمة الأونروا لا يمكن اختزالها أو استبدالها بأي جهة أخرى، لافتًا إلى فشل الآليات البديلة في تحقيق الحد الأدنى من الاستجابة الإنسانية لاحتياجات الشعب الفلسطيني في غزة، بسبب افتقارها للكفاءة والشرعية والقبول الشعبي والدولي.
وأشار الوزير إلى وقوف مصر بثبات إلى جانب الأونروا في مواجهة التحديات ومحاولات تدميرها، والتي تستهدف “القضاء على قضية حق العودة المكفول للاجئين الفلسطينيين”. كما تدعم مصر الأونروا في مواجهة أزماتها المالية، وتبذل جهودًا مع الأطراف المانحة لضمان استمرار الدعم الكامل للوكالة، مؤكدة أنه “لا بديل عن هذه الوكالة”. وحمّل الوزير المجتمع الدولي والدول المانحة مسؤولية “التراجع الخطير وغير المقبول” في دعم الأونروا، ورفض سياسة “الكيل بمكيالين” في التعامل مع القضايا الإنسانية، مؤكدًا أن الالتزامات الدولية تجاه الأونروا “واجب قانوني وأخلاقي لا يقبل الانتقائية”.
جهود مصرية لوقف إطلاق النار وتسهيل المساعدات لغزة
تضطلع مصر بدور محوري ومستمر للتعامل مع تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر جهودها مع الأشقاء في قطر والأصدقاء في الولايات المتحدة لفرض وقف فوري لإطلاق النار. لكن الوزير أشار إلى أن التعنت الإسرائيلي وفرض شروط تعجيزية يعرقل التقدم ويفاقم الأزمة الإنسانية، مناشدًا المجتمع الدولي إعلاء المصلحة العامة لوقف معاناة الأبرياء.
وتواصل مصر جهودها لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وقد أبقت معبر رفح مفتوحًا على مدار الساعة وبشكل دائم ويومي، “على الرغم من إغلاقه من الجانب الفلسطيني من المعبر من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي”. وساهمت مصر في إيصال نحو 70% من إجمالي المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى القطاع، مما يعكس التزامها الثابت بدعم الشعب الفلسطيني الشقيق.
وكشف الوزير عن وجود أكثر من ستة آلاف شاحنة مساعدات متوقفة على الجانب المصري من المعبر، تمنع سلطات الاحتلال دخولها تحت مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي “لا يحرك ساكنًا”. وحمّل الوزير بدر عبدالعاطي الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية القانونية الكاملة في تسهيل دخول المساعدات فورًا من كافة المعابر، وخاصة المعابر الخمسة التي تربط إسرائيل بغزة، بدون أي عوائق. وأشار إلى أن القطاع يحتاج يوميًا إلى 700 شاحنة على الأقل لتلبية احتياجات السكان الأساسية، مؤكدًا أن المجاعة القائمة والمتفاقمة في غزة هي “مجاعة مصطنعة من صنع البشر والاحتلال الإسرائيلي”.
أولوية وقف إطلاق النار وأفق الحل السياسي
شدد وزير الخارجية المصري على رفض بلاده القاطع للسياسات التوسعية الإسرائيلية والاعتداءات العسكرية واستخدام التجويع كسلاح حرب، مؤكدًا أن هذه الأعمال انتهاك صارخ للقانون الدولي. وأكد على الأهمية البالغة للوقف الفوري لإطلاق النار، وأن الصفقة المطروحة القائمة على مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف يجب أن يقبلها الجانب الإسرائيلي لإنهاء القتل اليومي والمجاعة، بما يؤسس لإنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الرهائن.
وأكد أن الأولوية القصوى هي التوصل إلى صفقة تقوم على مقترح ويتكوف، تتضمن هدنة مؤقتة لمدة 60 يومًا لإطلاق سراح الرهائن والجثامين، تمهيدًا لصفقة نهائية وشاملة تؤدي إلى الوقف الكامل للعمليات العسكرية والعدوان الإسرائيلي. واعتبر الوزير أنه لا يمكن الحديث عن تحسين الأوضاع الإنسانية، أو إطلاق عملية ذات أفق سياسي، أو إطلاق سراح الرهائن، أو التعافي المبكر وإعادة الإعمار، بدون وقف إطلاق النار.
وأشار إلى خطة عربية إسلامية متكاملة، مدعومة دوليًا، تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية:
- الترتيبات الأمنية، وعمادها الشرطة الفلسطينية وتمكينها.
- الحوكمة وإدارة القطاع.
- التعافي المبكر وإعادة الإعمار.
وأوضح أنه لا مانع مستقبلاً من النظر في نشر قوات دولية بطلب فلسطيني، لدعم تأهيل السلطة الفلسطينية وفرض الحماية للشعب الفلسطيني وتوفير الأمن.
رؤية شاملة للسلام: دولة فلسطينية مستقلة وإعادة إعمار غزة
تطرق وزير الخارجية إلى مؤتمر دولي تعتزم القاهرة استضافته بالتنسيق مع فلسطين والأمم المتحدة والشركاء الدوليين، بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، لتوفير الدعم لخطة التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة. وأكد على ضرورة أن يكون لوكالة الأونروا دور مركزي ورئيسي في هذا المؤتمر.
وأكد الدكتور بدر عبدالعاطي أن السبيل الوحيد للأمن والسلام الدوليين هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع الرفض الكامل لتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية. ورحب باعتزام العديد من الدول الإعلان عن اعترافها بدولة فلسطين في مؤتمر نيويورك في الثاني والعشرين من سبتمبر الجاري، داعيًا باقي دول العالم إلى أن تحذو حذوها.
وشدد على أن القضية الفلسطينية هي لب الصراع في المنطقة، ولن يتحقق الأمن والاستقرار بدون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه، مؤكدًا أنها ستبقى على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
مفوض الأونروا: مجاعة من صنع البشر في غزة
من جانبه، أعرب فيليب لازاريني، مفوض عام وكالة الأونروا، عن شكره للحكومة المصرية على دعمها المتواصل للوكالة، وناقش مع الدكتور عبدالعاطي الوضع المأساوي في غزة. وأوضح لازاريني أن القطاع يواجه “مشكلة كبيرة وجديدة هي المجاعة”، والتي كانت الوكالة تنذر بها منذ شهور، مؤكدًا أن المواطنين في غزة “يموتون جوعًا” بسبب غياب التعاطف الدولي و”الحصانة التي تتمتع بها دولة الاحتلال الإسرائيلي” التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
وأشار إلى أن العاملين في المجال الإنساني يدفعون ثمنًا باهظًا، ويعانون من الجوع والإغماء بسبب القصف المستمر والانتهاكات. وأكد أن المجاعة “من صنع البشر”، وأن الأونروا لديها القدرة والخبرة على توزيع المساعدات وتلبية احتياجات الفلسطينيين لإنهاء المجاعة، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بـ “الوقف الفوري لإطلاق النار”.
وأثنى على دور الإعلاميين والصحفيين الذين “دفعوا حياتهم لنقل الحقائق”، معربًا عن أسفه لاستشهاد أكثر من 250 صحفيًا. ونوّه لازاريني إلى مشاركته في الاجتماع الوزاري بالجامعة العربية، حيث تم الاتفاق على أهمية دعم الجامعة للأونروا، مشيرًا إلى انخفاض الدعم المقدم من المنطقة العربية للوكالة خلال عامي 2024-2025 ليبلغ 3% فقط من إجمالي دخل الوكالة.