تحول مفاجئ.. أسعار الذهب تتراجع بعد بلوغها قمة تاريخية | جني الأرباح واستقرار الدولار يقودان الانخفاض

شهدت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا في الأسواق المحلية والعالمية اليوم الخميس، بعد أن لامس المعدن النفيس أعلى مستوياته تاريخيًا أمس. يأتي هذا الانخفاض وسط ترقب واسع لقرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة وتزايد حالة عدم اليقين حول السياسة التجارية الأمريكية. وقد سجل سعر جرام الذهب عيار 21 نحو 4815 جنيهًا، بينما تراجعت الأوقية لتصل إلى 3543 دولارًا.

تراجع أسعار الذهب اليوم في الأسواق المحلية والعالمية

كشف سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، عن تراجع أسعار الذهب بالسوق المحلي بنحو 30 جنيهًا خلال تعاملات اليوم مقارنة بختام أمس. ووصل سعر جرام الذهب عيار 21 إلى 4815 جنيهًا. وفي السياق ذاته، شهدت الأوقية تراجعًا قدره 21 دولارًا لتسجل 3543 دولارًا.

المعدن الأصفر يلامس قمته التاريخية قبل التراجع

كانت أسعار الذهب قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا يوم أمس الأربعاء، إذ زادت بنحو 45 جنيهًا للجرام عيار 21، ليغلق عند 4845 جنيهًا بعد أن لامس 4860 جنيهًا. عالميًا، ارتفعت الأوقية بنحو 27 دولارًا، ووصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 3579 دولارًا، قبل أن تستقر عند 3564 دولارًا في ختام التعاملات. جاء هذا الارتفاع القياسي مدفوعًا بتخلي المستثمرين عن السندات الحكومية طويلة الأجل حول العالم، بحثًا عن ملاذ آمن.

بيانات سوق العمل الأمريكي تعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن

يواصل الذهب الحفاظ على مكاسبه فوق مستوى 3500 دولار للأوقية، مدعومًا ببيانات اقتصادية تشير إلى ضعف سوق العمل الأمريكي. فقد أظهر تقرير حديث صادر عن شركة ADP، المتخصصة في رصد الوظائف بالقطاع الخاص، أن الاقتصاد الأمريكي فقد نحو 54 ألف وظيفة في أغسطس، وهو ما جاء مخالفًا للتوقعات التي كانت تشير إلى إضافة 73 ألف وظيفة. وعلقت نيلا ريتشاردسون، كبيرة الاقتصاديين في ADP، بأن هذا التراجع يعكس حالة عدم اليقين وضعف ثقة المستهلكين ونقص العمالة، بالإضافة إلى الاضطرابات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي.
هذه البيانات الضعيفة عززت التوقعات بقيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقرر منتصف سبتمبر، مما يبقي على أسعار الذهب متماسكة فوق مستوياتها الحالية.

تأثير سندات الخزانة الأمريكية واستقرار الدولار

لعبت أسواق السندات الأمريكية دورًا في الحد من تراجعات الذهب، حيث انخفضت عوائد سندات الخزانة بشكل طفيف. فقد تراجع عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.19%، وهبط عائد السندات لأجل 30 عامًا إلى 4.87%، كما انخفضت عوائد السندات المحمية من التضخم إلى 1.79%. هذا الانخفاض يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، خاصة في ظل استقرار مؤشر الدولار فوق مستوى 98 نقطة بعد تعويض بعض خسائره السابقة.
على الصعيد العالمي، أظهرت أسواق السندات في اليابان وبريطانيا مؤشرات استقرار بعد موجة ارتفاع قوية دفعت العوائد إلى أعلى مستوياتها منذ عقود. ورغم ذلك، فإن المخاوف المستمرة بشأن مستويات الدين العالمية تزيد من دعم الذهب كوجهة استثمارية آمنة.

توقعات سياسة الفيدرالي وضبابية الرسوم الجمركية الأمريكية

تتجه الأنظار نحو اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي المقبل في 16 و17 سبتمبر، حيث تسعر الأسواق حاليًا احتمالية كبيرة، تصل إلى 97% وفقًا لأداة CME FedWatch، لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. وقد تبنى مسؤولو الفيدرالي مواقف متباينة بشأن هذا القرار:

• دعا كريستوفر والر صراحة إلى بدء خفض الفائدة فورًا، مع إمكانية إجراء تخفيضات إضافية مستقبلًا.
• أشار رافائيل بوستيك، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، إلى أن خفضًا محدودًا سيكون مناسبًا.
• رأى ألبرتو موسالم، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، أن السياسة النقدية “في مكانها الصحيح حاليًا”، لكنه لم يستبعد التغيير إذا استمرت مؤشرات ضعف سوق العمل.

من جانب آخر، تزداد الضبابية بفعل التطورات القانونية المتعلقة بالرسوم الجمركية الأمريكية. فقد طلبت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من المحكمة العليا إلغاء حكم محكمة الاستئناف الذي حد من صلاحياته في فرض التعريفات، مما يبقي على أجندة ترامب الاقتصادية تحت المجهر القانوني ويضيف مزيدًا من عدم اليقين للأسواق.

رؤى المؤسسات الاستثمارية: هل يتجه الذهب نحو 5000 دولار؟

تبدو التوقعات المؤسسية أكثر تفاؤلًا بشأن مستقبل الذهب. ففي مذكرة حديثة، أكدت جولدمان ساكس أن الذهب يظل “أفضل توصية طويلة الأجل”، متوقعة أن يصل سعره إلى 3700 دولار بنهاية عام 2025، وإلى 4000 دولار بحلول منتصف عام 2026. وتُعزى هذه التوقعات إلى استمرار مشتريات البنوك المركزية القوية.
السيناريو الأكثر طموحًا يشير إلى أن الذهب قد يقترب من 5000 دولار للأونصة، إذا تم تحويل 1% فقط من استثمارات القطاع الخاص بعيدًا عن سندات الخزانة الأمريكية إلى المعدن الأصفر، خاصة في حال تعرض استقلالية الفيدرالي لضغوط سياسية إضافية.

تقرير الوظائف غير الزراعية: محرك محتمل لأسعار الذهب

تترقب الأسواق العالمية عن كثب تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP) المقرر صدوره يوم الجمعة، والذي يُعد مؤشرًا حيويًا يعتمد عليه الفيدرالي في تحديد سياسته النقدية. أي مفاجآت سلبية في هذا التقرير قد تدفع الذهب إلى تعزيز مكاسبه الحالية، وربما تمكنه من إعادة اختبار قمته التاريخية التي سجلها مؤخرًا.

يواجه الذهب حاليًا مرحلة مفصلية تتأرجح بين قوى متعارضة. فمن جهة، تدعم توقعات خفض الفائدة وضعف سوق العمل والمخاطر الجيوسياسية صعود المعدن الأصفر. ومن جهة أخرى، يفرض استقرار الدولار وجني الأرباح ضغطًا مؤقتًا على الأسعار. وبينما تظل القمة التاريخية الأخيرة عند 3579 دولارًا شاهدًا على قوة الاتجاه الصاعد، فإن مساره المستقبلي سيبقى مرهونًا بقرارات الفيدرالي وتطورات الاقتصاد الأمريكي، مع ترقب ما إذا كان سيواصل الصعود نحو مستويات أعلى أو يواجه تحديات جديدة.