من دموع ماراكانا.. ميسي يكشف رحلته لتحويل المعاناة إلى مجد تاريخي غير مسبوق.

تُوّج ليونيل ميسي بكأس العالم 2022 في قطر، مختتماً مسيرة دولية ملحمية مع منتخب الأرجنتين، تخللتها ضغوط هائلة وإخفاقات مؤلمة قبل أن تتحول إلى قصة نجاح باهرة. هذا الانتصار لم يمحُ فقط سنوات من التحديات، بل عزز مكانته كواحد من أعظم لاعبي كرة القدم في التاريخ. لقد تجاوز “البرغوث” الانتقادات وأثبت أن الإصرار يمكن أن يحوّل الأحلام البعيدة إلى حقيقة ملموسة.

ميسي يقود الأرجنتين إلى قمة المجد في كأس العالم 2022

شهدت بطولة كأس العالم 2022 في قطر تتويج ليونيل ميسي باللقب الأغلى، بعد رحلة مثيرة قدم فيها منتخب الأرجنتين أداءً بطولياً. ورغم البداية الصادمة بالخسارة أمام المنتخب السعودي، استعاد “راقصو التانجو” توازنهم وقدموا عروضاً مبهرة قادتهم إلى النهائي التاريخي. في المواجهة الختامية ضد فرنسا، حاملة اللقب، قدم ميسي أداءً استثنائياً بتسجيل هدفين، ليقود فريقه ببراعة إلى الفوز بركلات الترجيح بعد واحدة من أروع المباريات في تاريخ البطولة. تلك اللحظة التي رفع فيها الكأس في استاد لوسيل كانت تجسيداً لسنوات من الصبر والتحدي، وتأكيداً على مكانته الأسطورية.

اقرأ أيضًا: المهمة الأولى.. هل يحقق المنتخب السعودي تحت 19 عامًا بداية مثالية في كأس الخليج بمواجهة اليمن؟

كوبا أمريكا 2021: نقطة التحول وإنهاء لعنة الألقاب الدولية

لم تكن قصة المجد مقتصرة على كأس العالم وحدها، فقبلها بعام، وتحديداً في صيف 2021، حقق ميسي لقبه الدولي الكبير الأول مع منتخب الأرجنتين بفوزه بكوبا أمريكا في البرازيل. في هذه البطولة، التي أقيمت وسط ظروف استثنائية، أظهر ميسي تصميماً مختلفاً وروحاً جماعية غير مسبوقة، مسجلاً وصانعاً للأهداف ببراعة. جاءت اللحظة الحاسمة في النهائي ضد البرازيل على ملعب ماراكانا الأسطوري، حيث سجل أنخيل دي ماريا هدف الفوز الذي أنهى سنوات طويلة من الانتظار. هذا التتويج كان بمثابة إطلاق سراح من ضغوط هائلة، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الثقة والإنجازات للفريق وقائده.

عهد ليونيل سكالوني: بناء جيل جديد وروح الفريق

بعد سلسلة من خيبات الأمل، بما في ذلك الخروج المبكر من كأس العالم 2018 بروسيا، بدأت تتشكل ملامح التحول بقدوم المدرب ليونيل سكالوني في عام 2019. سكالوني، الذي آمن بقدرات ميسي كقائد ملهم، بنى حوله جيلاً شاباً متعطشاً للإنجازات. تكونت حول “البرغوث” مجموعة متناغمة من اللاعبين مثل رودريجو دي باول ولاوتارو مارتينيز ولياندرو باريديس، بالإضافة إلى رفيق دربه أنخيل دي ماريا. هذا الانسجام بين اللاعبين منح ميسي الدعم اللازم، وحول فريق الأرجنتين إلى قوة جماعية هدفها استعادة أمجاد كرة القدم الأرجنتينية.

اقرأ أيضًا: خارج الحسابات! غياب دونجا عن موقعة الزمالك ووادي دجلة بالدوري.. بطاقات صفراء تحرمه من المشاركة.

سنوات الضغط والخسائر المؤلمة: بداية مسيرة ميسي الدولية

بدأت مسيرة ليونيل ميسي مع منتخب الأرجنتين الأول في عام 2005، محاطة بضغوط وتوقعات هائلة. فمنذ اللحظة الأولى، وُضع اللاعب الشاب في مقارنات قاسية مع الأسطورة دييجو مارادونا، بطل العالم 1986. شارك ميسي في كأس العالم 2006 بألمانيا وكأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، لكن الخروج القاسي من البطولتين، خاصة أمام ألمانيا، رسخ صورة “العبقري الذي يفشل دولياً” في أذهان الجماهير. هذه المرحلة شكلت تحدياً نفسياً كبيراً له، حيث كان يسعى لإثبات نفسه في ظل إرث كروي ثقيل.

سلسلة النهائيات الضائعة: أحلام ميسي تتحطم مراراً

بلغت معاناة ليونيل ميسي ذروتها بين عامي 2014 و2016، حيث قاد الأرجنتين إلى نهائي كأس العالم 2014 في البرازيل. قدم أداءً بطولياً، لكنه خسر الكأس أمام ألمانيا في الوقت الإضافي بهدف ماريو جوتزه، ورغم حصوله على الكرة الذهبية لأفضل لاعب في البطولة، اعتبر كثيرون ذلك جائزة ترضية. توالت الخيبات بخسارة نهائي كوبا أمريكا 2015 أمام تشيلي بركلات الترجيح، ثم تكررت المأساة بنفس الطريقة في نسخة 2016 بالولايات المتحدة. مشهد سقوطه باكياً على أرض الملعب بعد إهدار ركلة ترجيحية أصبح أيقونة لمعاناته الدولية العميقة.

اقرأ أيضًا: بعد تجديده رسميًا.. إبراهيم عبد الجواد يكشف قيمة عقد كريم فؤاد الجديد مع الأهلي | رقم سيثير الجدل؟

قرار الاعتزال ثم العودة تحت ضغط الجماهير

تحت وطأة هذه الضغوط المتراكمة والخسائر المتتالية، أعلن ليونيل ميسي اعتزاله اللعب الدولي في صيف عام 2016، في خطوة صدمت الشارع الأرجنتيني. انقسمت الجماهير بين من اتهموه بالخيانة ومن توسّلوا إليه بالعودة. وصلت الأمور إلى حد حرق قميصه رقم 10 في شوارع بوينس آيرس، في مشهد مؤلم يعكس حجم القسوة التي تعرض لها. ولكن، تحت ضغط جماهيري ورسمي هائل، عاد “البرغوث” سريعاً عن قراره، ليواصل مسيرته الدولية آملاً في تحقيق الحلم الكبير الذي راوده طويلاً.

إرث ليونيل ميسي: رسالة إلهام للأجيال القادمة

برفع ليونيل ميسي لكأس العالم، أزاح آخر الشكوك حول مكانته كواحد من أعظم لاعبي كرة القدم في التاريخ. مسيرته الدولية، التي بدأت بصافرات استهجان واتهامات، تحولت إلى أسطورة ملهمة تُدرّس للأجيال القادمة عن الصبر والإصرار والقدرة على تحويل الانكسار إلى أعظم انتصار. بامتلاكه لستة ألقاب دولية بمختلف الفئات العمرية، يقف ميسي اليوم رمزاً لأمته وقدوة لكل لاعب صغير يحلم بتحويل دموعه إلى ابتسامة، وهزائمه إلى أمجاد. إنها ملحمة لا تخص ميسي وحده، بل تعكس روح كرة القدم نفسها، اللعبة التي تمنح فرصة ثانية دائماً لمن يتمسك بحلمه بشدة.

اقرأ أيضًا: انطلاق رحلة المونديال؟.. منتخب مصر يبدأ أولى تدريباته على استاد السلام استعدادًا لمواجهة إثيوبيا المرتقبة.