الموسم الدراسي.. بداية مختلفة تكشف شلل المدارس العمومية
مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد، يواجه قطاع التعليم في المغرب، وتحديداً بمنطقة خنيفرة، جملة من التحديات الجوهرية التي تؤثر سلباً على التلاميذ والأسر. كشف قاشا كبير، عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي)، عن مشاكل تتراوح بين غلاء المستلزمات الدراسية والاكتظاظ، وصولاً إلى نقص البنية التحتية وتدهور الخدمات التعليمية، ما يثير قلقاً متزايداً بشأن مستقبل المدرسة العمومية وفعالية المنظومة بأكملها.
تحديات الأسر: غلاء المستلزمات ونقص الدعم
مع بدء الدخول المدرسي، تُعدّ الأعباء المالية المتمثلة في توفير الكتب والمستلزمات الدراسية من أبرز الصعوبات التي تثقل كاهل الأسر المغربية. يضاف إلى ذلك تحديات إيجاد مقاعد دراسية في مؤسسات تعليمية قريبة من أماكن سكنهم، خاصة في المناطق القروية التي تواجه شبح الهدر المدرسي. وأشار قاشا كبير، في تصريح لـ”تيلكيل عربي”، إلى أن المنح الدراسية المقدمة غير كافية، بل إن المستفيدين منها يواجهون ظروفًا معيشية صعبة داخل الداخليات، بسبب سوء جودة التغذية المسندة لشركات خاصة، وهو ما يُلاحظ بقلق في عدة مؤسسات بمديرية التعليم بخنيفرة، التي أصبحت، على حد قوله، عنواناً لحرمان الأطفال من تغذية صحية وجيدة.
البنية التحتية المتدهورة ونقص الأطر التعليمية
تتفاقم مشكلة البنية التحتية ونقص الأطر الإدارية والتعليمية عاماً بعد عام في المدارس العمومية. فقد أوضح قاشا أن مئات المدارس الابتدائية، ذات القدرة الاستيعابية الكبيرة، تفتقر إلى طواقم إدارية وحراسة أمنية، حيث يتولى مدير واحد مهام مؤسستين أو أكثر. ولا يزال اللجوء إلى الأقسام المبنية من هياكل مفككة يشكل خطراً جسيماً على صحة التلاميذ والأساتذة، رغم تعهد الوزارة بالتخلص منها منذ أكثر من ثلاثة عقود. كما أن الاكتظاظ ونقص عدد الأساتذة يدفعان إلى تقليص ساعات تدريس بعض المواد لإخفاء الخصاص الحقيقي في المدرسين والمدرسات. وأبرز أن عدداً من المؤسسات التعليمية المبرمجة للدراسة في الموسم الحالي لم تنطلق بها الأشغال بعد أو ما زالت في طور الترميم، مما يؤجل الدخول الفعلي للتلاميذ. هذا التأخير يشمل حوالي 80% من مدارس الريادة في خنيفرة التي لم يتم تأهيلها لحد كتابة هذه السطور، بالإضافة إلى إغلاق مدارس بسبب التهديد بالسقوط كإعدادية عسو باسلام بخنيفرة، ما أدى إلى تشتيت تلاميذها على مؤسسات ابتدائية.
تعثر منظومة مسار وتحديات الرقمنة
على صعيد آخر، تواجه منظومة “مسار” الإلكترونية، المخصصة لتسجيل التلاميذ وحركات الأساتذة الانتقالية، تعثراً مستمراً وتعطلاً متكرراً خلال هذه الفترة الحساسة المخصصة لاستقبال التلاميذ. يشير قاشا إلى أن هذه المنصة التقنية التابعة لوزارة التربية الوطنية هشة وغير قادرة على تحمل أي ضغط، ما يعيق سلاسة الإجراءات ويدل على ضعف البنية التحتية الرقمية. وتتفاقم المشكلة بسبب ارتفاع نسبة الأمية الرقمية في المغرب، التي تحول دون إدارة ناجحة للعمليات الإلكترونية. فضلاً عن ذلك، لا تتوفر المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية لوزارة التربية الوطنية على تخطيط تربوي فعال لمعالجة المشكلات القائمة وتوفير عرض تعليمي يواكب الانتظارات.
التعليم بين التسييس وتراجع الخدمات الأساسية
يرى قاشا أن قضية التعليم أصبحت تُعالج كمسألة انتخابوية وأسرية بحتة، حيث “من يستطيع الدفع يصل للمدرسة”. وقد تخلت وزارة التربية الوطنية عن دورها في توفير الكتب المدرسية، التي باتت غير متوفرة بسهولة لدى الكتبيين، بعد أن “نفضت يديها” من توفير أي كتاب. كما أوقفت الوزارة بشكل نهائي خدمة الإطعام المدرسي في المدارس الابتدائية، بعد تجربة ما سُمي بـ”الوجبات الباردة” التي اعتبرت غير صالحة للأطفال ومفسدة للثقافة الغذائية، رغم أن تكلفتها لم تتجاوز درهمين للطفل يومياً حسب أرقام الوزارة نفسها. ويضيف أن المدارس العمومية تعيش على إحسان وتضحيات أطرها، في ظل نقص حاد في العتاد والتجهيزات الأساسية مثل الأوراق البيضاء وأقلام اللبد، كما هو الحال في مديرية خنيفرة. وبالنسبة للنقل المدرسي في العالم القروي، فلا يزال يعمل بصيغ غير واضحة المعالم حسب الجماعات الترابية، حيث تتحمل الأسر أحياناً أجور السائقين والمحروقات ومصاريف الصيانة والتأمين، ومن المتوقع أن تتأخر هذه الخدمات حتى نهاية شهر شتنبر كعادتها. كما أن الحركات الانتقالية لكل الفئات التعليمية لم تستكمل بعد، ما يعكس تماطلاً إدارياً يؤثر سلباً على استقرار المنظومة.
تداعيات الأزمة على جودة التعليم العمومي
خلص قاشا إلى أن الأهداف الحالية للوزارة تبدو موجهة نحو “تجويد بيع المنظومة”، ما يشير إلى توجه نحو خصخصة القطاع أو جعله تجارياً على حساب جودته. كل هذا يضع الأطقم الإدارية والتربوية في المدارس تحت ضغوطات مضاعفة، بين تعليمات مركزية معزولة عن ما يحصل في الواقع وإكراهات ميدانية مرتبطة بالبنايات التي لم ترمم ولم تؤهل لتستقبل الوافدين. فغالباً ما يتم تأجيل الأعمال الضرورية التي كان يمكن إنجازها خلال العطلة الصيفية إلى ما بعد انطلاق الموسم الدراسي، مما يعكس سوء تدبير واضح وتخطيط ضعيف. ويصف الوضع بالانتقال “من سيء إلى أسوأ”، معتبراً هروب مدير أكاديمية بني ملال خنيفرة ناقوس خطر لجثة مسلوبة النبض على ما بات يتمرغ فيه القطاع التعليمي في البلاد من تدهور.