في مشهدٍ روحانيٍّ عظيمٍ يتجدد مع كل عام، ومع إشراقة فجر اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، يشهد المسلمون من كل بقاع الأرض واحدة من أبرز وأجمل الشعائر الدينية في موسم الحج: استبدال كسوة الكعبة المشرفة. هذه اللحظة المهيبة، التي تتم في المسجد الحرام بمكة المكرمة، تبعث في النفوس السكينة والإجلال والهيبة.
لماذا تحظى كسوة الكعبة بكل هذه العناية؟
هذا التقليد العريق، الذي توارثته الأجيال عبر القرون، يعكس مدى اهتمام ورعاية المملكة العربية السعودية بالكعبة المشرفة، التي تعتبر قلب العالم الإسلامي وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم. فصناعة وتغيير الكسوة ليست مجرد عادة، بل هي رمز للعناية الفائقة بهذا الركن العظيم.
تفاصيل مذهلة: ما هي مواصفات كسوة الكعبة الجديدة؟
تُعد الكسوة الجديدة للكعبة تحفة فنية وروحانية بكل المقاييس. تُصنع هذه التحفة من أفخم أنواع الحرير الطبيعي المصبوغ باللون الأسود، وتزن حوالي 850 كيلوغرامًا. تتألف الكسوة من 47 قطعة قماش، يبلغ عرض كل منها مترًا تقريبًا وارتفاعها يصل إلى 14 مترًا.
يزيد وزن الخيوط المستخدمة في التطريز من الذهب والفضة عن 120 كيلوغرامًا. وتُزيّن الكسوة بآيات قرآنية وزخارف إسلامية غاية في الدقة والجمال. أما الحزام العلوي الذي يحيط بالكعبة، فيتجاوز طوله 45 مترًا، وتُطرز عليه آيات من الذكر الحكيم بخيوط مذهبة، مما يضيف فخامة ورونقًا خاصًا.
رحلة صناعة الكسوة: إبداع وعمل دؤوب على مدار 10 أشهر
لا يدرك الكثيرون حجم الجهد المبذول في صناعة كسوة الكعبة. تتم هذه العملية المعقدة والدقيقة داخل مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة. يعمل في هذا المجمع أكثر من 200 فني وحرفي متخصص، يستغرقون حوالي عشرة أشهر كاملة لإنتاج الكسوة.
يستخدمون في ذلك أحدث الأدوات والتقنيات المتطورة، مثل ماكينة الجاكارد وماكينات التطريز الآلي، بالإضافة إلى فن التطريز اليدوي العريق. ولضمان تجميع أجزاء الكسوة بدقة متناهية، تُستخدم أكبر ماكينة خياطة في العالم، والتي يبلغ طولها 16 مترًا.
متى وكيف يتم تغيير كسوة الكعبة؟
تبدأ مراسم تغيير الكسوة في مشهد مهيب، حيث يتم إنزال الكسوة القديمة أولاً، ثم تثبيت الكسوة الجديدة بعناية فائقة. هذا المشهد الرمزي يتزامن مع وقوف ضيوف الرحمن على صعيد عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة، في إشارة قوية إلى قدسية الزمان والمكان وأهمية هذه الشعيرة في موسم الحج.