إجازة رسمية.. قصة الاحتفال بالمولد النبوي في مصر وتقاليد متوارثة منذ مئات السنين
تتميز مصر عن سائر الدول الإسلامية بطقوسها الفريدة في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، والتي تبرز من خلال مظاهر ثقافية متوارثة مثل عروسة وحصان المولد. ويكشف خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عن أصول هذه التقاليد التي تعود إلى العصر الفاطمي، مؤكداً أنها تمثل تراثاً لامادياً أصيلاً يستحق التسجيل في منظمة اليونسكو.
أصل عروسة وحصان المولد في التراث المصري
أوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان أن هناك عدة روايات حول أصل عروسة وحصان المولد، إحداها تربطهما بالأسطورة المصرية القديمة لإيزيس وأوزوريس، حيث يمثل الحصان تمثال حورس وهو يمتطي جواده ليقضي على الشر، بينما ترمز العروسة بزينتها الملونة إلى جناحي إيزيس. وتعود رواية أخرى إلى العصر الفاطمي حين كان الخليفة يخرج في موكب مهيب راكباً حصانه، تتبعه سيدة القصر في هودجها، مما ألهم المصريين صناعة أشكال من الحلوى تجسد هذا المشهد. ويشير ريحان إلى أن هذه الصناعة كانت رمزاً للوحدة الوطنية، حيث شارك المسيحيون والمسلمون معاً في صناعة حلوى المولد ليفرح بها أطفال مصر جميعاً.
تطور احتفالات المولد النبوي عبر العصور
ارتبطت احتفالات المولد النبوي في مصر بأماكن محددة عبر التاريخ، ففي العصر الفاطمي كانت الاحتفالات تقام في قصر الخلافة والمشهد الحسيني. وقد اهتم الفاطميون بصناعة الحلوى وأنشأوا لها مخازن خاصة لتوزيعها على الشعب قبل شهرين من المناسبة، كما ظهر سوق “الحلويين” الذي كانت تعلق فيه أشكال الحلوى التي عُرفت باسم “العلاليق”. وفي العصرين المملوكي والعثماني، انتقل مركز الاحتفال إلى “الحوش السلطاني” بالقلعة، حيث كان السلطان يقيم خيمة ضخمة تسمى “خيمة المولد”، وتقدم فيها المرطبات وتقام حلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم.
صناعة حلوى المولد بين الماضي والحاضر
يعد شارع باب البحر بالقاهرة المعقل التاريخي لصناعة حلوى المولد، حيث يضم مصانع وورشاً متخصصة في هذا المجال. وقد تطورت صناعة الحلوى والعرائس بشكل كبير، فبعد أن كانت تُصنع بالكامل من السكر، أصبحت الآن تصنع بطرق حديثة وتُستخدم فيها مواد متنوعة مثل البلاستيك والقماش والخيوط، كما تم تزويدها بإضاءات وأصوات إلكترونية. ورغم هذا التطور، لا تزال عروسة الحلوى التقليدية ذات اللون الوردي تحتفظ بمكانتها الخاصة في ذاكرة المصريين كرمز أصيل للاحتفال. وقد رصد الرحالة الأجانب انبهارهم بهذه المظاهر، حيث وصفها الرحالة الإنجليزي “مارك جرش” بالمتألقة، بينما تعجب الباحث الفرنسي “إدوارد ليم لين” من مشاركة المسيحيين في الاحتفالات حتى الفجر.
مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في مصر الحديثة
تشارك مؤسسات الدولة المصرية المختلفة في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، مما يضفي على المناسبة طابعاً رسمياً وشعبياً واسعاً، وتتنوع الفعاليات لتشمل جوانب دينية وثقافية وتراثية.
- ينظم الأزهر الشريف ندوات ودروساً دينية تتناول سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
- تقيم وزارة الأوقاف ندوات تثقيفية في المساجد على مدار شهر ربيع الأول.
- تقدم وزارة الثقافة احتفالات وعروضاً فنية وندوات مرتبطة بالمناسبة عبر هيئاتها المختلفة.
- تعرض متاحف وزارة السياحة والآثار قطعاً أثرية خاصة ترتبط بالذكرى العطرة.
- تخصص وسائل الإعلام برامج وحوارات مع العلماء والمتخصصين للحديث عن التراث المرتبط بالمناسبة.
- يحيي الأهالي في مختلف محافظات مصر الذكرى بإقامة حلقات الإنشاد الديني والمدائح النبوية.