المعنى الحقيقي وراء.. تعبد النبي ﷺ في غار حراء | الجامع الأزهر يكشف كيف كان إعدادًا ربانيًّا لحمل “القول الثقيل”
يستضيف الجامع الأزهر الشريف أمسية دينية كبرى ضمن فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، تحت عنوان “تحنثه ﷺ وإشراقات النبوة”، حيث ألقى الدكتور حمدي الهدهد، عميد كلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان، محاضرة مهمة حول الإعداد الرباني للنبي محمد صلى الله عليه وسلم لحمل الرسالة. شهدت الأمسية أيضًا مشاركة بارزة للقارئ الشيخ محمد سالم عامر والمبتهل الشيخ محمد علاء السباعي، مقدمين فقرات روحانية أثرت الحضور.
إرهاصات النبوة: تهيئة ربانية لحمل الرسالة
أكد الدكتور حمدي الهدهد في حديثه أن إرهاصات النبوة لم تكن مجرد أحداث عادية، بل كانت إعدادًا إلهيًا دقيقًا لنبينا محمد ﷺ ليتهيأ لحمل الرسالة الخاتمة إلى العالمين. وأشار إلى أن هذه التهيئة الربانية بدأت بسلسلة من العلامات الدالة، منها:
- **الرؤيا الصادقة:** كانت أول ما بُدئ به النبي ﷺ من الوحي، فكانت تقع في يقظته كما يسطع نور الصبح، وهي علامة على طهارة قلبه وصفاء روحه.
- **حب الخلاء والتحنث:** حيث حُبب إليه الانفراد والابتعاد عن صخب الدنيا، فكان يتوجه إلى غار حراء ليالي عديدة، يتعبد لله عز وجل، متأملًا ومستشرفًا الكعبة المشرفة، ليتلقى العناية الإلهية ويستعد لأعظم مهمة.
وبيّن الدكتور الهدهد أن هذه الخلوة لم تكن اجتهادًا بشريًا محضًا، بل كانت تهيئة ربانية خاصة لحمل “القول الثقيل”، مستشهدًا بقول الله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾. وأوضح أن الخلوة كانت بمثابة الزاد الروحي للنبي ﷺ ليواجه عناد قريش وغطرستها، وهي اليوم أيضًا زاد لكل مؤمن مهموم أو مبتلى، ليلوذ بالله ويستمد منه القوة والثبات. وأكد فضيلته أن “الخلوة مدرسة إيمانية عميقة، فيها يترك المسلم الدنيا بما فيها من مغريات، ويضع نفسه بين يدي الله، فينتقل من ضيق الحياة إلى رحابة الطاعة والسكينة الروحية”.
طهارة النسب الشريف وعظيم منزلة المصطفى
لفت الدكتور حمدي الهدهد إلى أن طهارة نسب النبي ﷺ كانت إرهاصًا آخر من إرهاصات النبوة البارزة، فقد اختاره الله تعالى من أطهر البيوت وأكرم السلالات العربية، ليكون مولده حدثًا استثنائيًا ليس لمجرد فرد عادي، وإنما ميلاد لأمة عظيمة وحضارة إنسانية ونهضة شاملة. وأكد أن القرآن الكريم قد دل على هذا الاصطفاء الرباني في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾. مشيرًا إلى أن النبي ﷺ هو الوحيد الذي اقترن اسمه بصفات من أسماء الله الحسنى، إذ وصفه الله بأنه “رؤوف رحيم”، تكريمًا عظيمًا له وبيانًا لمنزلته الرفيعة.
قيام الليل: امتداد للخلوة وزاد روحي لكل مؤمن
أوضح الدكتور الهدهد أن قيام الليل يمثل الامتداد الطبيعي والمكمل للخلوة، فهو جزء أساسي من التهيئة الروحية التي يحتاجها المؤمن، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾. وشدد على أن قيام الليل يعين المسلم على الصبر والتجلد أمام الشدائد والتحديات، ويقوي من عزيمته على حمل التكاليف والواجبات الدينية والدنيوية. وبيّن أن قيام الليل كان بمثابة إعداد مكثف للنبي ﷺ قبل نزول الوحي، مؤكدًا أن “قيام الليل والخلوة مع الله ليسا حكرًا على الأنبياء وحدهم، بل هما سبيل كل مؤمن صادق يريد أن يتزود بالزاد الروحي، ويثبت في وجه الابتلاءات ليقوى على مواجهتها”.
رسالة المولد النبوي: تجديد للعهد واقتداء بالهدي المحمدي
وفي ختام هذه الأمسية المباركة بالجامع الأزهر، أكد الإعلامي أبو بكر عبد المعطي أن إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف يعد تذكيرًا للأمة برسالتها الخالدة، ويدعوها للعودة الصادقة إلى سيرة نبيها الكريم ﷺ الذي أرسله الله رحمة للعالمين. ودعا عبد المعطي إلى أن يكون الاحتفال بالمولد النبوي تجديدًا حقيقيًا للعهد على الاقتداء بهدي النبي في جميع جوانب الحياة، من الأخلاق الفاضلة والمعاملات الحسنة والسلوك القويم، ليصبح نور هديه واقعًا ملموسًا في مجتمعاتنا.