شكلها الأصلي المدهش.. من هو أول من بنى الكعبة وكيف بدت قبل قرون طويلة؟ | حكايات بيت الله الحرام
تعد الكعبة المشرفة، قلب العالم الإسلامي ووجهة ملايين المصلين، أول بيت وُضع للناس للعبادة. يعود فضل بنائها الأول إلى النبي إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، وقد كانت في بدايتها ذات شكل بسيط ومميز، تعكس عظمة الغاية من إنشائها. عبر العصور، شهد هذا البناء المقدس عدة تجديدات وإضافات، حافظت جميعها على مكانته الجليلة ودوره المحوري في قلوب المسلمين.
من الذي بنى الكعبة المشرفة لأول مرة؟
بناء الكعبة المشرفة يعود بشكل أساسي إلى النبي إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، بأمر مباشر من الله سبحانه وتعالى. بعد أن أمره الله بإسكان هاجر وابنها إسماعيل في وادٍ غير ذي زرع بمكة، عاد إبراهيم ليشارك إسماعيل في رفع قواعد البيت الحرام. تشير الروايات التاريخية إلى أن هذا البناء لم يكن الأول في موقع الكعبة، بل كان تجديدًا ورفعًا لقواعد بيت سبق أن وُضع على الأرض، ويُعتقد أن الملائكة أو آدم عليه السلام قد وضعا أساساته الأولى. إلا أن بناء الكعبة على يد سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل هو الذي أعاد لها مكانتها كمركز للعبادة الموحدة، ووضع معالمها التي نعرفها اليوم. وقد ورد ذكر قصة بناء الكعبة في القرآن الكريم، مما يؤكد عظم هذا الحدث ومكانته الدينية.
كيف كان شكل الكعبة الأولى وتصميمها البسيط؟
تميز شكل الكعبة في عهد إبراهيم وإسماعيل بالبساطة والتواضع الذي يليق ببداية بيت العبادة. لم تكن الكعبة آنذاك مربعة الشكل تمامًا كما نراها اليوم، بل كانت أقرب إلى المستطيل، وكانت جدرانها قصيرة لا يتجاوز ارتفاعها تسعة أذرع. لم يكن لها سقف، بل كانت عبارة عن جدران مفتوحة من الأعلى، مما يسمح بدخول الهواء والضوء. كانت الكعبة الأولى تحتوي على بابين متقابلين يقعان على مستوى الأرض، يسهل الدخول والخروج منهما. لم يكن “حجر إسماعيل” الذي نراه اليوم جزءًا من البناء الأساسي للكعبة في ذلك الوقت، بل كان جزءًا من مساحة الطواف المحيطة بها. هذا التصميم البسيط عكس طبيعة العبادة النقية والبعد عن الزخرفة، مؤكدًا أن الغاية هي التوحيد والإخلاص لله.
تطور بناء الكعبة عبر العصور وأبرز التجديدات
مرت الكعبة المشرفة بالعديد من مراحل البناء والتجديد عبر تاريخها الطويل، وكل مرحلة تركت بصمتها على شكلها وهندستها، مع الحفاظ على قدسيتها ومكانتها:
- **بناء إبراهيم وإسماعيل:** الأساس الأول الذي وضع، وتميز بالبساطة، بلا سقف وبابين على مستوى الأرض، وارتفاع متواضع للجدران.
- **إعادة بناء قريش (قبل الإسلام):** حوالي عام 605 ميلادي، تعرضت الكعبة لسيول جارفة أضعفت بنيانها. قامت قريش بإعادة بنائها، ورفعت جدرانها، وأضافت لها سقفًا، وجعلت لها بابًا واحدًا مرتفعًا عن الأرض لحمايتها من السيول والتحكم في الدخول إليها، وتقصير الجهة الشمالية منها ليصبح “الحجر” خارج البناء.
- **تجديدات عبد الله بن الزبير (عام 65 هـ):** بعد تعرض الكعبة لأضرار خلال حصار مكة، أعاد عبد الله بن الزبير بناءها على قواعد إبراهيم، وأدخل “الحجر” (حجر إسماعيل) ضمن حدود الكعبة، وفتح بابها الثاني الذي أغلقته قريش، وجعل البابين على مستوى الأرض.
- **إصلاحات الحجاج بن يوسف الثقفي (عام 74 هـ):** بعد سيطرة الأمويين على مكة، أعاد الحجاج بناء الكعبة إلى الشكل الذي كانت عليه في عهد قريش، حيث أخرج “الحجر” منها مرة أخرى، وأغلق الباب الثاني، وجعل الباب الوحيد مرتفعًا، وهو الشكل الذي استمر عليه البناء لفترة طويلة.
- **الترميمات اللاحقة:** شهدت الكعبة ترميمات وإصلاحات متعددة على مر العصور، قام بها الخلفاء والسلاطين والحكام المسلمون، للحفاظ على متانتها وسلامتها، مع الحفاظ على هيئتها التي استقرت عليها بعد تعديلات الحجاج.
تظل الكعبة المشرفة هي القبلة التي يتجه إليها المسلمون في صلواتهم، ورمزًا لوحدة الأمة الإسلامية، ومحورًا لكل مسلم يسعى لزيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج والعمرة.