مع بداية أيام ذي الحجة المباركة، يستعد المسلمون لاستقبال يوم عظيم يمثل أولى محطات الحج الكبرى، وهو يوم التروية. يصادف هذا اليوم الفضيل الثامن من ذي الحجة، ويُعد بوابة روحية مهمة تسبق يوم عرفة، الذي يمثل ذروة مناسك الحج.
في يوم التروية، يبدأ حجاج بيت الله الحرام بالتوجه إلى مشعر منى، مقتدين بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك استعدادًا للوقوف في صعيد عرفات الطاهر في اليوم التالي. إنها رحلة إيمانية مباركة، تبدأ بالهدوء والاستعداد قبل اليوم الأعظم.
لماذا سُمّي يوم التروية بهذا الاسم؟ حكاية الماء والزاد
قد يتساءل الكثيرون عن سر تسمية هذا اليوم بـ “يوم التروية“. يعود السبب إلى أن الحجاج في الأزمنة الماضية، كانوا يتزودون فيه بالماء الكافي والطعام قبل انطلاقهم إلى عرفات. فلم تكن مصادر المياه متوفرة هناك بسهولة كما هي الآن. فكانوا يرتوون من الماء ويحملون ما يكفيهم من زاد تحسبًا لمشقة الطريق، ومن هنا جاء الاسم الذي أصبح جزءًا من تاريخ هذه الشعيرة العريقة.
أعمال يوم التروية للحجاج: التوجه إلى منى والتزود بالروحانيات
يقضي الحاج يوم التروية كاملاً في منى. يُستحب للحاج في هذا اليوم المبارك أن يُكثر من الذكر والتلبية والصلاة، وأن يتوجه إلى الله بالدعاء الخالص. يستمر المبيت في منى حتى طلوع فجر يوم التاسع من ذي الحجة، وهو اليوم الذي يتوجه فيه الحجاج إلى عرفات.
فضل يوم التروية.. تهيئة القلوب ليوم عرفة الأعظم
يُعد يوم التروية سنة مؤكدة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد حرص عليها في حجة الوداع. يحمل هذا اليوم فضلًا عظيمًا، فهو يساهم في تهذيب النفس وتصفية القلوب، ويُهيئ الحاج نفسيًا وروحيًا ليوم عرفة، الذي يعتبر ركن الحج الأعظم.
إنه فرصة للحاج للتأمل في المعاني السامية لمناسكه، وللاستعداد الروحي والنفسي للوقوف على صعيد عرفات، حيث تتنزل رحمات الله وتُغفر الذنوب.
يوم التروية ليس للحجاج فقط: فضل الأعمال الصالحة للجميع
فضل يوم التروية لا يقتصر على الحجاج وحدهم، بل يمتد ليشمل جميع المسلمين في كل مكان. يُستحب للمسلمين في هذه الأيام الفضيلة من ذي الحجة أن يُكثروا من الأعمال الصالحة والدعاء، فهي من أحب الأيام إلى الله عز وجل.
إن يوم التروية ليس مجرد محطة زمنية في رحلة الحج، بل هو لحظة إيمانية عميقة تُمهد للقلب طريقَه نحو عرفات، حيث تكتمل المقاصد وتُرفع الأكف تضرعًا وقربًا من الله.