تدخل أمني عاجل.. مايكروسوفت تستعين بالـ FBI لمواجهة احتجاجات موظفيها بسبب دعم فلسطين
طلبت شركة مايكروسوفت من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) والشرطة المحلية المساعدة في مراقبة واحتواء موجة احتجاجات متصاعدة يقودها موظفوها بخصوص النزاع في غزة. يأتي ذلك بعد أن نظم المحتجون فعاليات قرب منازل كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة، شملت اعتصامات داخلية واعتقالات، وسط اتهامات لمايكروسوفت بالاستفادة من الحرب ورفضها قطع علاقاتها مع الجيش الإسرائيلي.
مايكروسوفت تستعين بالأمن لمواجهة احتجاجات موظفيها بشأن غزة
تصاعدت حدة التوتر داخل شركة مايكروسوفت بعدما لجأ عدد من موظفيها ومؤيديهم إلى التظاهر علنًا ضد سياسات الشركة المتعلقة بالصراع في غزة. وشهد الأسبوع الماضي توجه المحتجين إلى بحيرة واشنطن، حيث أبحروا بزوارق الكاياك بالقرب من منازل مسؤولين تنفيذيين بارزين، منهم الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا ورئيس الشركة براد سميث، رافعين لافتات تتهم مايكروسوفت بالاستفادة من العمليات العسكرية الإسرائيلية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد تم اعتقال اثنين من المحتجين المؤيدين لفلسطين بعد مشاركتهما في اعتصام داخل مكتب براد سميث بمقر مايكروسوفت الرئيسي، وهو اعتصام تم بثه مباشرة عبر منصة “تويتش”.
وتقود مجموعة من الموظفين تُعرف باسم “لا لآزور من أجل الفصل العنصري” احتجاجات مستمرة منذ حوالي عام، مطالبين مايكروسوفت بقطع جميع علاقاتها مع الجيش الإسرائيلي، مؤكدين أن خدمة السحابة “Azure” التابعة للشركة تساهم في ارتكاب جرائم حرب. ورداً على هذه المطالب، أشارت رسائل بريد إلكتروني داخلية، اطلعت عليها وكالة بلومبرج، إلى أن محققي الشركة تواصلوا مع مكتب التحقيقات الفيدرالي في سياتل، محذرين من تورط موظفين وأقارب لهم في هذه الاحتجاجات واحتمال تعطيل فعاليات الشركة الكبرى.
من بين الحالات التي تم ذكرها، أشار مدير التحقيقات في مايكروسوفت إلى موظف سابق يدعى حسام نصر، وهو مهندس برمجيات مصري الجنسية، وصفه بأنه “نشط جداً في منشوراته التي تستهدف مايكروسوفت وتتهمها بالتواطؤ في الإبادة الجماعية”. وكان نصر وزميل له قد فُصلا من مايكروسوفت في أكتوبر من العام الماضي بسبب تنظيمهما لفعالية دعم لفلسطين داخل مقر الشركة.
موقف مكتب التحقيقات الفيدرالي وتأمين الفعاليات الكبرى
في البداية، رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق مباشرة على علاقته مع مايكروسوفت، لكنه أكد تركيزه على التهديدات الجنائية مع احترامه الكامل لحرية التعبير. وفي بيان لاحق لصحيفة “ذا بوست”، أوضح متحدث باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي أنهم يتلقون بانتظام طلبات أو معلومات من الجمهور بشأن تهديدات بالعنف أو انتهاكات للقانون الفيدرالي، وأنهم يراجعون هذه المعلومات ويتصرفون وفقًا للقانون وسياساتهم. كما أكد المتحدث أن مكتب التحقيقات الفيدرالي “يحترم حق الأفراد في ممارسة حقوقهم الدستورية بشكل سلمي، ولا يمكن فتح تحقيق بناءً فقط على نشاط محمي بموجب التعديل الأول”، مشدداً على أن تركيزهم ينصب على الأشخاص الذين يرتكبون أو ينوون ارتكاب جرائم عنف أو نشاطات إجرامية تشكل جريمة فيدرالية أو تهديدًا للأمن القومي.
وتزامناً مع هذه الأحداث، تعاونت مايكروسوفت مع السلطات المحلية لفرض قيود صارمة على الوصول إلى المناطق العامة خلال مؤتمر “Build” الخاص بالشركة. وشملت الإجراءات الأمنية وضع نقاط تفتيش تشبه إجراءات المطارات ومنع جميع الشعارات والرموز الاحتجاجية لضمان سير المؤتمر دون أي تعطيل.
حوادث سابقة ومخاوف داخلية في مايكروسوفت
لم تكن الاحتجاجات الأخيرة هي الأولى من نوعها داخل مايكروسوفت، بل جاءت بعد سلسلة من الاضطرابات التي عكست الانقسام الداخلي حول قضايا سياسية حساسة. من أبرز هذه الحوادث:
* رمي مهندسة فلسطينية للكوفية على مسرح خطاب رئيس قسم الذكاء الاصطناعي بالشركة.
* اعتراض زميلة لها على الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا، وبيل جيتس، وستيف بالمر أثناء جلسة نقاشية، مما أدى إلى استقالتها احتجاجًا.
* قفز مهندس على كرسي أثناء خطاب لناديلا واتهمه بـ “دعم جرائم الحرب”، ليتم فصله في الليلة نفسها.
* اعتقال الشرطة لعشرين محتجاً بعد قيامهم بتشكيل منطقة احتجاج في ساحة المقر الرئيسي للشركة.
وقد دافع رئيس مايكروسوفت، براد سميث، عن هذه الإجراءات الأمنية، مؤكداً أن التصرفات التخريبية لم تعد قضايا داخلية بل أصبحت مسألة تتعلق بإنفاذ القانون. وفي الوقت الذي نجحت فيه مايكروسوفت تاريخياً في تجنب كثير من الفضائح التي عصفت بشركات التكنولوجيا الكبرى، تجد الشركة نفسها الآن وسط واحدة من أكثر القضايا السياسية العالمية إثارة للجدل.
تؤكد مايكروسوفت من جانبها عدم تورطها في أي جهود حربية إسرائيلية، مشيرة إلى أن تحقيقات سابقة لم تجد أدلة على استخدام أدواتها السحابية في استهداف المدنيين. ومع ذلك، تحقق الشركة حالياً في تقارير جديدة تفيد باعتراض الأجهزة الإسرائيلية لمكالمات فلسطينية وتخزينها على خوادم مايكروسوفت. ومع استمرار هذا الجدل، يتواصل الانقسام داخل الشركة، حيث يؤكد موظفون أن المنشورات المتعلقة بغزة تُحذف وأن الرسائل الاحتجاجية تُحجب.
استمرار الضغط والموقف الثابت للمحتجين
على الرغم من الإجراءات المشددة وتدخل أجهزة الأمن، لا يبدو أن الاحتجاجات في طريقها إلى التراجع. ويقدر المنظمون أن نحو مئتي موظف حالي وسابق يدعمون الحراك بهدوء، وهو ما يشكل نسبة صغيرة من إجمالي مائتي ألف موظف في مايكروسوفت، لكنه كافٍ للحفاظ على الضغط المستمر.
عبرت إحدى المحتجات عن موقفها قائلة: “هذه ليست مجرد برامج عادية، بل هي أسلحة تكنولوجية. السحابة والذكاء الاصطناعي لا يقلان فتكاً عن القنابل والرصاص”. ويؤكد المحتجون أن تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالي وعمليات الفصل لن تنجح في إسكاتهم. وفي كلمة عقب تجمع في ريدموند، صرح حسام نصر قائلاً: “هذه ليست النهاية”.
من جهتها، أصدرت مجموعة “لا لآزور من أجل الفصل العنصري” بياناً أكدت فيه عزمها على “حملة ثابتة لإيقاف دور مايكروسوفت في إبادة الفلسطينيين”، مضيفة: “نحن لا نخشى أساليب التخويف”. ورأت المجموعة أن محاولة مايكروسوفت استخدام أجهزة إنفاذ القانون لقمع موظفيها المعارضين للإبادة الجماعية يجب أن تكون بمثابة “صفارة إنذار لكل من يسعى للتنظيم في مكان عمله”. وخلصت المجموعة إلى أن “هذا الخبر يظهر أن مايكروسوفت تشعر بالضغط من موظفيها، والجمهور، وحملات المقاطعة العالمية”.