اتهامات صريحة.. خبراء يضعون إسرائيل في مرمى المسؤولية عن مجاعة غزة.. وعجز دولي مريب يثير التساؤلات

أكد تقرير دولي رسمي وقوع مجاعة في محافظة غزة شمال القطاع، وذلك في ظل استمرار التحركات العسكرية الإسرائيلية الرامية للسيطرة على المدينة، ما يفاقم الكارثة الإنسانية المستمرة منذ نحو عامين مع تجاهل التحذيرات الدولية المتصاعدة. وقد دعت دول ومنظمات المجتمع الدولي إسرائيل إلى الإسراع في إدخال المساعدات ووقف العمليات العسكرية التي وصفت بـ”حرب الإبادة”، فيما نفت إسرائيل مزاعم المجاعة مؤكدة أنها تعمل على منعها، وهو ما يتناقض مع إغلاقها الكامل للمعابر منذ الثاني من مارس الماضي.

إعلان المجاعة في شمال غزة: تحذيرات دولية وتجاهل إسرائيلي

في أول إعلان من نوعه منذ بداية الحرب، أكد تقرير صادر عن مقياس التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) وجود مجاعة حقيقية في شمال قطاع غزة. وتوقع التقرير أن تمتد هذه المجاعة لتشمل محافظتي دير البلح وسط القطاع وخان يونس جنوبًا بحلول نهاية سبتمبر المقبل، مما ينذر بتفاقم الوضع الإنساني بشكل كارثي. وعلى الرغم من هذه التحذيرات الدولية، تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية في مناطق القطاع التي تعاني من الجوع، ضمن خطة أعلنت عنها إسرائيل لإعادة السيطرة على القطاع بدءًا من شماله.

اقرأ أيضًا: رسميًا.. إعفاء سيارات ذوي الإعاقة من الضريبة الجمركية بموافقة مجلس الوزراء

وقد دعت العديد من الدول والمنظمات الدولية إسرائيل إلى الاستجابة الفورية بفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية، مؤكدين على ضرورة وقف العمليات العسكرية للتخفيف من الأزمة التي تهدد حياة مئات الآلاف. في المقابل، سارعت إسرائيل إلى نفي ما ورد في التقرير، مدعية أنها تبذل جهودًا لمنع وقوع المجاعة. إلا أن هذه المزاعم تتعارض بشكل صارخ مع إغلاقها الشامل للمعابر منذ الثاني من مارس الماضي، ومنعها دخول الإمدادات الغذائية والطبية، وهو ما تسبب في تسجيل وفيات مرتبطة بسوء التغذية والجوع قبل السماح مؤخرًا بدخول كميات محدودة تحت ضغط دولي مكثف.

تحميل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن مجاعة غزة

قال بركات الفرا، سفير دولة فلسطين السابق لدى مصر، إن إعلان المجاعة في مدينة غزة يمثل وصمة عار في جبين العالم المتحضر الذي يقبل بهذا الوضع ويعجز عن مواجهة الطرف المسؤول عن هذه المجاعة، وهي إسرائيل. وأكد السفير الفلسطيني، في حديث لـ”مانشيت”، أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأول والمباشر عن المجاعة الدائرة، وذلك لمنعه دخول المساعدات الإنسانية وممارسته القتل اليومي والترهيب والتهجير القسري ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وأضاف أن أهالي غزة قد تحملوا في خضم هذه الحرب ما لا يمكن لأي إنسان تحمله عبر التاريخ، مشيرًا إلى أن العالم بأسره، سواء المتحضر أو غير المتحضر، يشهد على ما يجري في القطاع ولكن دون تحرك فعال بالقدر المطلوب.

اقرأ أيضًا: هام.. طقس مصر الثلاثاء 5 أغسطس 2025: توقعات حالة الطقس

وشدد الفرا على أن إعلان المجاعة يجب أن يكون دافعًا قويًا للمجتمع الدولي للتحرك الفعلي وليس الاكتفاء بالتصريحات. فالأمر، كما يرى، يتطلب إجراءات حازمة تلزم إسرائيل بإدخال المساعدات الأساسية من غذاء ووقود وأدوية ولوازم طبية وغيرها من المستلزمات الضرورية لتمكين الناس من البقاء على قيد الحياة، وإلا فإن المجتمع الدولي يكون قد حكم على الفلسطينيين بالموت جوعًا، وهو ما يمثل مأساة حقيقية غير مسبوقة.

مطالب بتحرك عربي ودولي لمواجهة أزمة غزة

على الجانب العربي، أكد السفير الفرا أن المطلوب هو تحرك جاد وفاعل من الجامعة العربية، وأن يكون لمجلس السفراء العرب في نيويورك موقف واضح وفعّال يتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية الهائلة التي يعيشها القطاع. وأوضح الفرا أن تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمواصلة الحرب وما أعلنه مؤخرًا من عزمه احتلال القطاع يعود بالأساس إلى حساباته الشخصية والسياسية المعقدة. فهو يدرك أن أي اتفاق للتسوية سيؤدي حتمًا إلى تفكك الائتلاف الحكومي القائم وسقوط حكومته، وهو ما يعني نهاية مستقبله السياسي ومثوله أمام القضاء لمواجهة القضايا الكثيرة المرفوعة ضده، والتي قد تضعف موقفه القانوني. وأشار إلى أن نتنياهو يحاول بكل وسيلة إطالة أمد الحرب من أجل الحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم والابتعاد عن المحاسبة، في الوقت الذي يروج فيه لإنجازات كبرى ويتحدث عن “إسرائيل الكبرى” وتغيير الشرق الأوسط، بينما يرى كثيرون، بمن فيهم إسرائيليون، أن هذه مجرد شعارات لا قيمة لها على أرض الواقع المأساوي.

اقرأ أيضًا: تغييرات غير مسبوقة في قيادات الجامعات المصرية بقرارات جمهورية جديدة من وزير التعليم العالي

عجز المجتمع الدولي وتحديات حل أزمة الجوع في غزة

من جانبه، قال الدكتور محمد شاكر، أستاذ العلوم السياسية، إن “المجتمع الدولي” المعني بمواجهة إسرائيل وإجبارها على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، قد فشل فشلاً ذريعًا في القيام بدوره المنوط به. وأضاف أستاذ العلوم السياسية، في حديث لـ”مانشيت”، أن ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي الآن يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن “المجتمع الدولي” لا يظهر وجوده إلا عندما يتعلق الأمر بالقضايا العربية أو بدول العالم الثالث، أما في مواجهة إسرائيل فإنه يصبح أعمى لا يرى وأصم لا يسمع، مؤكدًا أنه لا يمكن التعويل عليه في حماية الأرض أو الكرامة أو القرار السياسي.

وأوضح شاكر أن هناك حالتين رئيسيتين يمكن من خلالهما حل أزمة الجوع المستفحلة في القطاع:

اقرأ أيضًا: رسميًا.. شقق الإسكان الاجتماعي: اعرف الفئات المستحقة والأوراق المطلوبة

  • نجاح الداخل الإسرائيلي في إبعاد اليمين المتطرف عن فكرة احتلال القطاع كاملًا.
  • أن تدافع الدول المستهدفة بمخطط التهجير، مثل مصر والأردن، عن نفسها عبر اتخاذ قرار سياسي قوي وموحد ضد الاحتلال الإسرائيلي.

تهديد “إسرائيل الكبرى” للأمن القومي العربي

أشار الدكتور شاكر إلى أن مصر قد أثبتت حتى الآن قدرتها على حماية قرارها الوطني المستقل وصد محاولات التهجير. ويبقى على الدول العربية الأخرى، خاصة تلك المحيطة بفلسطين، أن تتحرك إلى جانب مصر دفاعًا عن أمنها القومي المشترك. لافتًا إلى أن نتنياهو أعلن صراحة عن مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يمتد من الأردن إلى غيره من الأراضي، بما يمثل تهديدًا مباشرًا وخطيرًا للأمن القومي العربي برمته.

وأكد شاكر أن المطلوب من الدول العربية اليوم هو التكاتف والتكامل في المواقف والتحركات، فالتهديد حقيقي وخطير. وأضعف الإيمان، كما يرى، أن يكون هناك موقف عربي موحد وقوي. مشددًا على أن مصر تخوض منذ السابع من أكتوبر معركة شرسة على أكثر من جبهة: سياسية ودبلوماسية وأمنية، وتتحمل وحدها عبء المواجهة حمايةً لأمنها القومي ومستقبل المنطقة. وتابع أن إسرائيل ماضية في خطة احتلال قطاع غزة كجزء من حلم بنيامين نتنياهو الأوسع المسمى “إسرائيل الكبرى”، مستفيدة من الدعم الأمريكي غير المسبوق. مشيرًا إلى أن خلافًا قد يطرأ مستقبلًا بين تل أبيب والإدارة الأمريكية حول شكل إدارة القطاع بعد تفريغه من سكانه.

اقرأ أيضًا: 800 ألف جنيه و5 آلاف دولار دفعة واحدة! الكشف عن حجم مسروقات شقة المطرب أحمد شيبة بالإسكندرية

اختلاف الأهداف بين واشنطن وتل أبيب حول غزة وتأثيرها على الفلسطينيين

وبيّن أستاذ العلوم السياسية أن واشنطن تتعامل مع قضية غزة بعقلية اقتصادية استثمارية تسعى لتفريغها من سكانها وإعادة إعمارها عبر شركاتها فيما وصفه الرئيس السابق دونالد ترامب بـ “ريفييرا الشرق الأوسط”. بينما تسعى حكومة نتنياهو إلى اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم وإقامة المستوطنات ضمن مشروع “إسرائيل الكبرى” التوسعي. واختتم شاكر حديثه مؤكدًا أنه رغم اختلاف الطرفين في الأهداف الظاهرية، فإنهما يلتقيان في الغاية النهائية ذاتها: إلغاء الوجود الفلسطيني على الأرض وإخلاء المنطقة من سكانها الأصليين.