صفران قد يختفيان من الليرة السورية | المركزي يكشف عن “تحرير مالي” وتفاصيل العملة الجديدة

مصرف سوريا المركزي يؤكد أن خطط إصدار عملة سورية جديدة، وحذف صفرين منها، ليست مجرد تسريبات بل جزء أساسي من استراتيجية شاملة للإصلاح المالي والنقدي. هذه الخطوات، التي أعلن عنها حاكم المصرف الدكتور عبد القادر حصرية، تهدف إلى ترسيخ الاستقرار الاقتصادي وتتزامن مع تحرير التجارة وتراجع تدريجي للعقوبات الدولية.

خطط إصدار الليرة السورية الجديدة وحذف الأصفار

نفى الدكتور عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سوريا المركزي، أن تكون الأنباء المتداولة حول إصدار عملة سورية جديدة مجرد “تسريبات”، مؤكدًا أنها خطوات معلنة منذ فترة وتشكل جزءًا محوريًا من استراتيجية الإصلاح المالي والنقدي للبلاد. وأوضح حصرية في تصريح لـ”العربية بيزنيس” أن حذف صفرين من العملة السورية الحالية يُعد خيارًا قيد الدراسة الجدية، ضمن حزمة واسعة من التغييرات المرتقبة.
وأشار حاكم المصرف المركزي إلى أن هذه الخطوات ليست سرًا، بل هي عمل تحضيري تقوم به لجان متخصصة تضم خبراء من المصارف العامة والخاصة، إضافة إلى مختصين من المصرف المركزي ذاته. ولفت حصرية إلى أن تغيير العملة الوطنية يمثل ركيزة أساسية ضمن رؤية الإصلاح الاقتصادي للجمهورية السورية الحديثة، مؤكدًا أن إصدار الليرة الجديدة سيمثل إعلانًا للتحرير المالي الذي يعقب التحرير السياسي والعسكري، ويعزز السيادة الوطنية الكاملة.

اقرأ أيضًا: سعر ثابت.. الجنيه الذهب يُحافظ على استقراره في مصر اليوم رغم الإقبال المتزايد من المستثمرين

مرحلة الاستقرار النقدي وأهداف الإصلاح الاقتصادي

في سياق متصل بخيار حذف الأصفار من العملة السورية، أكد الدكتور حصرية أن هذا الأمر لم يُحسم بعد، ولا يزال قيد الدراسة المكثفة. ولكنه أوضح أن هذه الخطوة تندرج ضمن المرحلة الثانية من عملية الإصلاح الشاملة، والتي لن تُباشر إلا بعد ترسيخ الاستقرار النقدي في البلاد.
وأضاف حاكم المصرف أن المرحلة الأولى من استراتيجية الإصلاح الاقتصادي تركزت على تحقيق الاستقرار النقدي، مشيرًا إلى بدء لمس نتائج هذه الجهود. أما المرحلة التالية، فتتضمن ثلاث ركائز أساسية وهي:

  • إصدار العملة الجديدة.
  • إصلاح القطاع المصرفي القائم.
  • ترخيص مصارف جديدة.

ولفت حصرية إلى أن عمليات الإصلاح المماثلة ليست غريبة على الساحة الدولية، إذ قامت أكثر من سبعين دولة بحذف أصفار من عملاتها على مدى العقود الماضية. ومع ذلك، شدد على أن حذف الأصفار وحده لا يُعد حلاً كافيًا لمعالجة التضخم، بل يجب أن يُصاحب بحزمة متكاملة من السياسات الاقتصادية الحقيقية والمؤثرة.

اقرأ أيضًا: قبل ما تشتري.. “حماية المستهلك” يكشف أبرز مخالفات الأوكازيون الصيفي

جذور التضخم في سوريا والإصلاحات الجارية

تطرق الدكتور حصرية إلى الأسباب الجذرية للتضخم الذي شهدته سوريا في السنوات الماضية، عازيًا أبرزها إلى طباعة العملة الوطنية لتمويل العجز المالي، والقيود الصارمة المفروضة على الاستيراد، إضافة إلى تأثير العقوبات الاقتصادية والممارسات السابقة التي أضرت بقيمة الليرة السورية.
ووصف حصرية الوضع السابق بأنه “اصطناعي”، مشيرًا إلى ملاحقة التجار وتقييد الاستيراد، حيث كان تهريب كل دولار يكلف الدولة ما بين ثلاثين إلى أربعين سنتًا إضافيًا. وأكد أن هذه الممارسات في طريقها إلى الزوال، لافتًا إلى تحرير التجارة الخارجية بشكل كبير، وبدء تراجع تدريجي في العقوبات الغربية المفروضة على البلاد.
وأوضح حاكم المصرف أن العقوبات الأوروبية قد رُفعت بالكامل، وكذلك عقوبات إنجلترا، بينما خففت الولايات المتحدة من قيودها عبر ستة أوامر تنفيذية. وكشف أن المصرف المركزي في مراحل نهائية للتعاقد مع مزود خدمة SWIFT لاستعادة الاتصال الفعال بالنظام المالي العالمي، مما سيعزز الثقة ويسهل المعاملات الدولية.

سعر الصرف وتحديد القيمة العادلة لليرة

بالنسبة لتحديد القيمة العادلة لليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، صرح حاكم المصرف المركزي أن قوى السوق الحرة هي التي ستحدد السعر الحقيقي للعملة. ولفت إلى أن الليرة السورية قد استعادت جزءًا ملحوظًا من عافيتها وقوتها الشرائية مؤخرًا، مشيرًا إلى تحسنها بنسبة خمسة وثلاثين بالمائة منذ تحرير البلاد.
وأوضح حصرية أن الفجوة بين سعر الصرف في السوق الموازي والسعر الرسمي للمصرف قد تقلصت إلى أدنى مستوياتها، مؤكدًا أن هذا التناغم يعكس الثقة المتزايدة بالإصلاحات الاقتصادية الجارية والانسجام بين السياسات المالية والنقدية في البلاد.

اقرأ أيضًا: هبوط مفاجئ.. أسعار الذهب اليوم تتراجع في منتصف تعاملات الثلاثاء

إعادة بناء القطاع المصرفي وجذب الاستثمار الأجنبي

فيما يخص انفتاح القطاع المصرفي السوري على الاستثمارات الأجنبية، كشف الدكتور حصرية عن وجود “عشرات الطلبات” من مؤسسات مصرفية عربية وعالمية أبدت رغبتها في دخول السوق السورية. وأكد أن إجراءات الترخيص تخضع لمعايير فنية وقانونية بالغة الصرامة لضمان جودة الاستثمارات.
وأضاف أن المصرف المركزي يعمل بشكل متوازٍ على ترخيص بنوك جديدة وإعادة هيكلة المصارف القائمة، بما يضمن توافقها مع المعايير الدولية. الهدف الأساسي من هذه الخطوات هو بناء قطاع مالي متين يخدم الاقتصاد السوري ويدعمه، بدلاً من أن يكون عبئًا عليه.
وشدد حصرية على أن استعادة الثقة في القطاع المصرفي تُعد هدفًا استراتيجيًا بعد سنوات طويلة من الفساد والتعثر والإهمال. ويعمل المصرف المركزي جاهدًا حاليًا لتمكين النظام المالي من الاضطلاع بدوره الحيوي كمحرك رئيسي للاستثمار والتنمية الاقتصادية في سوريا.

تصميم وطباعة العملة السورية الجديدة: معايير عالمية ورمزية وطنية

بالنسبة لعملية تصميم وطباعة العملة السورية الجديدة، أوضح الدكتور حصرية أن العمل على التصميم الفني جارٍ حاليًا، وهناك عدة مقترحات قيد الدراسة والتقييم. وأكد أن طباعة العملة ستتم خارج سوريا، من خلال التعاقد مع مصدرين أو ثلاثة شركات متخصصة عالميًا. هذا التنوع يهدف إلى ضمان استمرارية سلسلة التوريد والالتزام بأعلى المعايير الأمنية والتقنية في طباعة العملات.
وأضاف حاكم المصرف أن دفاتر الشروط الفنية والمالية يجري إعدادها حاليًا، وسيتم فتح المجال أمام جميع الشركات العالمية المختصة لتقديم عروضها. وأشار إلى وجود خيارات متعددة للجهات التي قد تتولى الطباعة، مع إمكانية أن تكون روسيا إحدى هذه الخيارات، ولكن لا يوجد اتفاق نهائي حتى الآن.
وألمح حصرية إلى أن العملة الجديدة ستحمل رمزية عميقة تعكس المرحلة السياسية الجديدة في سوريا، مشيرًا إلى أن إصدار عملة جديدة غالبًا ما يأتي عقب تحولات سياسية جذرية في الدول، مستشهدًا بما حدث في الجمهورية الخامسة في فرنسا كنموذج تاريخي.

اقرأ أيضًا: رد حاسم.. كامل الوزير يواجه منتقدي مصنع الزبيب بتساؤل: “هو عيب ولا حرام؟”

الموعد المتوقع لإطلاق العملة الجديدة: خطة متكاملة وشفافية تامة

فيما يخص الإطار الزمني المتوقع لإطلاق العملة السورية الجديدة في التداول، شدد حاكم المصرف المركزي على أن هذا المشروع لا يزال في مراحل الدراسة والتحضير الدقيقة. وأكد أنه لن يتم إقرار أو تنفيذ العملة الجديدة إلا بعد اكتمال الخطة بجميع تفاصيلها، بما يشمل الحوار الفعال مع جميع الأطراف المعنية، واعتماد التصميم النهائي، واختيار الجهات الموثوقة التي ستتولى عمليات الطباعة.
واختتم الدكتور حصرية تصريحاته بالتأكيد على الشفافية التامة، مشيرًا إلى أن الشعب السوري سيكون أول من يعلم عند اكتمال الخطة بنسبة مائة بالمائة. وأوضح أن العمل يجري ليل نهار لضمان أن تخرج العملة الجديدة بأفضل شكل ممكن، يليق بتضحيات الشعب السوري العظيم وطموحاته في مستقبل اقتصادي مزدهر.

اقرأ أيضًا: قفزة جديدة.. سعر الدرهم الإماراتي اليوم يخالف التوقعات في البنوك المصرية