هل يكتبها الروبوت؟.. معرض السويس يكشف علاقة الذكاء الاصطناعي بالإبداع الأدبي
شهد معرض السويس الثالث للكتاب مساء أمس ندوة فكرية حيوية بعنوان “الذكاء الاصطناعي والإبداع الأدبي”، في إطار فعالياته الثقافية المستمرة تحت رعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو. الندوة التي نظمتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، ناقشت بعمق دور الذكاء الاصطناعي في مسيرة الأدب، وتحدياته، وهل يمثل أداة مساعدة أم تهديدًا للإبداع البشري الأصيل. شارك فيها الدكتور إبراهيم عاطف والدكتور زياد عبد التواب، وأدار الحوار الروائي محمد أيوب.
رحلة الأدب الطويلة: من الشفاهية إلى الأدب الرقمي
استعرض الدكتور إبراهيم عاطف، خلال مداخلته، التطور التاريخي للأدب ومراحله المتتالية. أوضح الدكتور عاطف أن التعبير الأدبي مر بتحولات جوهرية أثرت في شكله ومضمونه، ممهدًا لظهور ما يُعرف بأدب الذكاء الاصطناعي.
* **المرحلة الشفاهية:** اعتمدت على الكلمة المسموعة والإنشاد، واستخدمت لغة الجسد لجذب المتلقي والتأثير فيه.
* **مرحلة التدوين والكتابة:** بدأت بظهور المخطوطات التي نقلت الأدب من الطابع الشفاهي إلى التوثيق.
* **عصر الطباعة:** أحدثت نقلة نوعية كبرى في الوعي الأدبي، حيث تراجع تأثير الصوت والإلقاء المباشر لصالح الكلمة المكتوبة.
* **الثورة التكنولوجية وظهور الأدب الرقمي:** أدى ظهور الحاسوب والإنترنت إلى بروز وسيط جديد، فظهر الأدب الرقمي بأشكاله المتعددة عبر الوسائط الإلكترونية الحديثة.
أدب الذكاء الاصطناعي: محاكاة لا ترتقي للخيال البشري
تناول الدكتور إبراهيم عاطف مفهوم أدب الذكاء الاصطناعي الذي تنتجه الآلة، مؤكدًا أنه يُعد أحد تطبيقات هذا المجال المتقدم. وأشار إلى أن البرمجيات الذكية تقوم بتحليل الأساليب الأدبية الإنسانية وتخزينها، ثم تعيد إنتاجها آليًا في صورة نصوص متنوعة. إلا أن الدكتور عاطف وصف هذه المحاولات بأنها لا تزال في إطار المحاكاة والتقليد، ولم تصل بعد إلى مستوى الخيال البشري المبدع. وأوضح أن برامج الكتابة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل “شات جي بي تي”، تعتمد على نماذج إبداعية جاهزة تعيد صياغتها في قوالب تقليدية، مما يجعلها بعيدة عن روح التجديد والابتكار الحقيقي الذي يميز الإبداع الإنساني.
الذكاء الاصطناعي: تطوراته وتحدياته الأخلاقية
من جانبه، تحدث الدكتور زياد عبد التواب عن الجوانب التقنية والتاريخية للذكاء الاصطناعي، مستعرضًا مسيرة تطوره منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى انتشاره الواسع مع ظهور تطبيقات مثل “شات جي بي تي” في نوفمبر 2022. وأوضح الدكتور عبد التواب أن مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي باتت واسعة جدًا، وتشمل قطاعات حيوية مثل الطب والصناعة والتعليم والثقافة. ومع ذلك، نبه إلى وجود إشكاليات جوهرية تحيط بهذه التقنية، منها:
* **الانحيازات الخوارزمية:** التي قد تؤدي إلى نتائج غير عادلة أو متحيزة.
* **قضايا الملكية الفكرية:** تحديات تتعلق بحقوق المؤلف والأصالة في الأعمال التي ينتجها الذكاء الاصطناعي.
* **الاعتماد المتزايد:** ما قد يؤثر سلبًا على القدرات الذهنية والإبداعية للبشر على المدى الطويل.
الذكاء الاصطناعي: أداة مساعدة لا بديل للمبدع البشري
أكد الدكتور زياد عبد التواب على رؤيته بأن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُنظر إليه كأداة قوية لمساعدة المبدع، وليس كبديل قادر على الحلول محله. ضرب مثالًا بأن الذكاء الاصطناعي قد يتمكن من كتابة رواية عن مدينة السويس، لكن هذه الرواية ستظل تفتقر إلى الصدق والبصمة الفريدة التي يضيفها الكاتب البشري الذي عاش تفاصيل المدينة، وتفاعل مع ناسها وأحداثها. ففي رأيه، لا ينفصل الإبداع الأدبي عن التجربة الإنسانية العميقة والمشاعر التي تمنحه الأصالة والتميز.
الروائي محمد أيوب يرفض مصطلح “أدب الذكاء الاصطناعي”
أثار الروائي محمد أيوب تساؤلات جوهرية حول الدور الحقيقي للذكاء الاصطناعي، وهل هو عامل مساعد للكاتب أم يمثل تهديدًا مباشرًا للموهبة الأصيلة. شدد أيوب على أن الموضوع بالغ الأهمية ويتطلب حذرًا شديدًا في التعامل معه. وأوضح رفضه القاطع لمصطلح “أدب الذكاء الاصطناعي”، معتبرًا إياه توصيفًا مضللًا. أكد الروائي أن الذكاء الاصطناعي يظل في النهاية مجرد أداة بحث متطورة، بينما تظل الكتابة الإبداعية فعلًا إنسانيًا أصيلًا يستند إلى المشاعر، والتجربة الشخصية، والخيال الخصب، وهي عناصر لا يمكن لأي آلة أن تمتلكها أو تحاكيها بصدق.
توصيات ختامية حول تحديات الذكاء الاصطناعي الثقافية
اختتمت الندوة بنقاش مفتوح وثرٍ مع الحضور، تخلله طرح العديد من الرؤى والتساؤلات المهمة. تركز النقاش على عدة محاور أساسية لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي المتزايدة:
* **خطورة الذكاء الاصطناعي على الهوية الثقافية:** أهمية حماية الأصالة الثقافية في ظل التطورات التقنية.
* **الحاجة الماسة إلى نشر الوعي المجتمعي:** ضرورة توعية مانشيت بالاستخدام الرشيد والمسؤول لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
* **وضع استراتيجية وطنية واضحة للذكاء الاصطناعي:** التأكيد على أهمية وجود خطة عمل شاملة لاستغلال الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي، وهو ما توليه الدولة والقيادة السياسية اهتمامًا متزايدًا في مختلف المجالات.