نداء عاجل لـ وزارتي الزراعة والبيئة.. عميد زراعة المنيا الأسبق يحدد الإجراءات الاستباقية لمواجهة أزمة السحابة السوداء وحرق قش الأرز.
رفعت وزارتا الزراعة والبيئة درجة الاستعداد القصوى لمواجهة نوبات تلوث الهواء الحادة، المعروفة إعلامياً بـ “السحابة السوداء”، والتي تنتج بشكل أساسي عن حرق المخلفات الزراعية مثل قش الأرز، بالإضافة إلى عوادم المركبات وانبعاثات المصانع المتوسطة والصغرى، في تعاون وثيق مع كافة الوزارات والمحافظات المعنية لضمان بيئة نظيفة ومستدامة.
“السحابة السوداء”: ظاهرة بيئية تهدد جودة الهواء
تُعد ظاهرة “السحابة السوداء” في السماء نتيجة لتراكم الأدخنة الكثيفة المنبعثة من حرق المخلفات الزراعية، لا سيما حرق قش الأرز خلال موسم الحصاد في المحافظات الرئيسية المنتجة للأرز. هذه الممارسات تتسبب في نوبات تلوث هوائي حادة تؤثر سلباً على البيئة والصحة العامة، كما تسهم في التغيرات المناخية. أكد الدكتور عادل عبدالله عبدالغني، عميد كلية الزراعة بجامعة المنيا الأسبق، على أن هذا التلوث يتطلب تحركاً سريعاً ومبكراً للحد من آثاره السلبية.
جهود مكثفة لمواجهة التلوث وتحويل التحديات لفرص
أشار عميد كلية الزراعة إلى أن منظومة جمع وتدوير قش الأرز قد تحولت إلى قصة نجاح وطنية، بفضل التعاون المثمر بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. أثبتت التجربة على مدار السنوات الماضية فعاليتها في تقليل معدلات الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية، وتحويل القش إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية مضافة. وتركز الجهود الحالية على تحويل هذه التحديات البيئية إلى فرص استثمارية، من خلال التوسع في إنتاج الأسمدة العضوية (الكمبوست) لتحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاج الزراعي.
استراتيجيات مبتكرة للاستفادة من المخلفات الزراعية
لفت الخبراء إلى أهمية الاستفادة القصوى من مخلفات الأرز عبر طرق مبتكرة ومتعددة، تسهم في تحقيق قيمة اقتصادية وبيئية:
* تصنيع الأعلاف غير التقليدية لتقليل الفجوة العلفية وتوفير احتياجات الثروة الحيوانية.
* إنتاج الطاقة الحيوية (البيوجاز) كمصدر نظيف ومتجدد للطاقة.
* تصنيع الأخشاب المسطحة والمنتجات البديلة للمساهمة في تقليل فاتورة الاستيراد ودعم الصناعة الوطنية.
* تشجيع الصناعات القائمة على قش الأرز مثل صناعة الورق والفحم والمواد المركبة ذات الاستخدامات المتنوعة.
دور مديريات الزراعة في التوعية والتخلص الآمن من قش الأرز
تلعب مديريات الزراعة والإدارات الزراعية دوراً محورياً في دعم المزارعين، من خلال تقديم الدعم الفني اللازم وعقد ورش عمل مكثفة لتوعيتهم بأهمية الاستفادة من المخلفات الزراعية. يتم التركيز على كيفية تحويل هذه المخلفات إلى موارد قيمة:
* استخدام قش الأرز كعلف للماشية لتقليل التكلفة وزيادة القيمة الغذائية.
* إنتاج سماد عضوي عالي الجودة وخالي من الأمراض وبذور الحشائش الضارة.
* عمل كومات سمادية بالتنسيق مع مديرية الزراعة أو الوحدة الزراعية لتحويل القش إلى سماد مفيد للتربة.
* استغلال قش الأرز كعلف حيواني، سواء بتقديمه مباشرة أو بتحسين قيمته الغذائية بإضافة الأمونيا أو اليوريا.
* كبس القش وتخزينه وبيعه للحصول على عائد مالي إضافي للمزارع.
* تسليم القش لأحد مواقع التجميع المعتمدة والمنتشرة في جميع أنحاء المحافظة، والتي تخضع لإشراف مديرية الزراعة.
تأكيد على ضوابط تجميع القش وتفعيل الإجراءات القانونية
شدد عميد كلية الزراعة على أهمية التزام اللجان المختصة بضوابط ومعايير إصدار الموافقات لفتح مواقع ومراكز تجميع وتدوير قش الأرز. كما أكد على ضرورة تكثيف الحملات التوعوية الميدانية بالتعاون مع مديريات الزراعة بالمحافظات المصرح لها بزراعة الأرز، وفروع جهاز شؤون البيئة، بهدف توعية المزارعين بأهمية الاستخدام الرشيد للمخلفات الزراعية. ويتم تطبيق الإجراءات القانونية الصارمة بحق المخالفين لردع السلوكيات الضارة بالبيئة وحماية الموارد الطبيعية.
الشرقية نموذجاً: إدارة متكاملة للمخلفات وخلق فرص عمل
تعتبر محافظة الشرقية من أكبر المحافظات المنتجة للأرز، وهو ما يتطلب إدارة متكاملة وفعالة لكميات القش الناتجة. وتشمل هذه المنظومة المتكاملة عمليات الجمع والنقل والتدوير، بالإضافة إلى فتح مواقع تجميع معتمدة في المراكز والمدن المختلفة. كما يتم توفير المعدات اللازمة بأسعار مناسبة، ودعم مشروعات الشباب في مجال تدوير القش، بما يسهم في خلق فرص عمل جديدة وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
تعزيز التنسيق المؤسسي والرقابة على الانبعاثات الصناعية
أكدت الدكتورة منال عوض على أهمية تعزيز التنسيق المؤسسي بين مختلف الوزارات والهيئات المعنية، من خلال تحديد واضح للأدوار والمسؤوليات، بما يضمن سرعة الاستجابة والجاهزية الكاملة خلال فترات زيادة تلوث الهواء. وشددت على ضرورة تفعيل الرقابة والتفتيش الميداني على المناطق الصناعية، وتشديد الإجراءات تجاه المخالفات البيئية. كما أكدت على أهمية رفع كفاءة شبكات الرصد البيئي وتوفير البيانات بشكل لحظي لدعم اتخاذ القرارات المناسبة والسريعة.
توقعات الإنذار المبكر ومحاور الخطة الوطنية لمكافحة التلوث
ناقشت الوزيرة توقعات الإنذار المبكر الخاصة بتأثير العوامل الجوية على تلوث الهواء خلال فترة خريف 2025 وشتاء 2026، خاصة فيما يتعلق بنسبة الساعات الساكنة والخفيفة، التي تعد من أهم العوامل المؤثرة التي تزيد من الظروف المهيئة لتركيز الملوثات. ويتم ذلك بالاستناد إلى نتائج منظومة الإنذار المبكر التابعة لوزارة البيئة. كما أكدت على محاور خطة العمل الوطنية لمواجهة نوبات التلوث الحادة، والتي تشمل مجموعة من الإجراءات الوقائية والعلاجية، بدءاً من الحد من انبعاثات المصادر الصناعية وعوادم المركبات، مروراً بآليات التعامل مع المخلفات الزراعية، وصولاً إلى حملات التوعية المجتمعية بأهمية المشاركة في الحد من التلوث.
التوسع في برامج تدوير المخلفات الزراعية للحد من الحرق المكشوف
ركزت الوزيرة على البيانات الخاصة بالمساحات المنزرعة خلال الموسم الزراعي الحالي، ومناقشة حجم المخلفات الزراعية المتوقع إنتاجها. وتم التأكيد على ضرورة التوسع في برامج تدوير تلك المخلفات واستخدامها كعلف حيواني أو سماد عضوي، وذلك بهدف الحد من ممارسات الحرق المكشوف التي تسهم بشكل كبير في ظاهرة “السحابة السوداء” وتدهور جودة الهواء.