الكشف عن تفاصيل جديدة.. شبكة التجاوزات الإدارية والمالية بهيئة الكتاب تستدعي تحقيقات موسعة ومحاسبة فورية.

شهدت الهيئة المصرية العامة للكتاب خلال السنوات الماضية تجاوزات إدارية ومالية جسيمة، كشفت عنها تقارير ومصادر مطلعة، ورغم إقالة رئيس الهيئة السابق، لا تزال هناك حاجة ماسة لتحقيق شامل ومحاسبة دقيقة. تتضمن هذه التجاوزات تجميع سلطات في يد أشخاص معدودين، وتضارب في المصالح، بالإضافة إلى مخالفات صارخة في ملف العمالة اليومية، فضلاً عن شبهات فساد في صندوق التكافل الخاص بالعاملين.

محمد عزت: تجميع السلطات في منصب واحد

يعتبر محمد عزت، الذي شغل منصب مدير مكتب رئيس الهيئة المُقال أحمد بهاء الدين العساسي، أولى النقاط المثيرة للجدل. فقد جمع عزت بين ثلاثة مناصب استراتيجية في آن واحد: مدير المكتب، والقائم بأعمال رئيس الإدارة المركزية للشؤون المالية والإدارية، فضلاً عن إشرافه على إدارتي العلاقات العامة والإعلام. هذا التداخل الوظيفي أدى إلى حصوله على مستحقات مالية لثلاثة مناصب مختلفة، مما يمثل تجاوزاً إدارياً واضحاً، يمهد الطريق لتجاوزات مالية جسيمة، خاصة وأن قربه من رئيس الهيئة كان لافتاً.

اقرأ أيضًا: عاجل.. منحة المرأة الماكثة في البيت 800 دينار لعام 2025، قدمي طلبك إلكترونيا

سهام خالد موسى: تضارب المصالح بين الرقابة والإشراف

تُمثل سهام خالد موسى، نقطة أخرى للتساؤل، حيث تتولى الإشراف على التفتيش المالي والإداري بحكم منصبها. لكن الأمر الأكثر خطورة يكمن في إشرافها المتزامن على المخازن، وهو ما يثير تساؤلاً منطقياً حول كيفية الجمع بين مهام الرقابة والتفتيش من جهة، والإشراف على ما يُفتش عليه من جهة أخرى. هذا التضارب الصريح في المصالح يشير إلى خلل إداري فادح أو فساد محتمل.

العمالة اليومية: انتهاك صارخ للوائح الرسمية

يُعد ملف العمالة اليومية من أخطر الملفات داخل الهيئة المصرية العامة للكتاب. ففي حين يبلغ عدد الموظفين والعمال الثابتين حوالي 1800 فرد، يبلغ عدد العمالة اليومية 600 فرد، وهو ما يعد مخالفة صريحة للقرار رقم 125 لسنة 2018 الصادر عن وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، والذي يحدد نسبة العمالة اليومية في كافة القطاعات بـ 3% فقط. الواقع يشير إلى تجاوز هذه النسبة بشكل هائل، حيث تصل إلى أكثر من 33%، أي ما يزيد عن عشرة أضعاف النسبة القانونية المسموح بها. وتكشف مصادر من داخل الهيئة أن بعض التعيينات تتم بتحويل أقارب موظفين من وزارة المالية إلى هيئة الكتاب، متجاهلة أبناء العاملين داخل الهيئة، وهو ما كان نظاماً معمولاً به لسنوات طويلة.

اقرأ أيضًا: سياحة ساحرة.. ممشى الضباب بالنماص وجهة جبلية تعانق الغيوم

البيانالنسبة المئويةالتفاصيل
نسبة العمالة اليومية المقررة قانوناً3%حسب القرار رقم 125 لسنة 2018 من وزارة التخطيط
نسبة العمالة اليومية الفعلية33%من إجمالي 1800 موظف وعامل، يوجد 600 عامل يومي

تجاوزات صندوق التكافل واللجنة النقابية

تعاني اللجنة النقابية داخل الهيئة من ضعف حقيقي، ويرأسها محمد أبو حطب، الذي يتولى في الوقت نفسه الإشراف على صندوق التكافل. وقد رصد الجهاز المركزي للمحاسبات تجاوزات مالية جسيمة في حق هذا الصندوق، وأُحيلت القضية إلى النيابة التي أكدت وجود هذه التجاوزات. تراوحت هذه التجاوزات من محاولات تحقيق مكاسب غير مشروعة من خلال رحلة صيفية، وصولاً إلى قضايا أكثر تعقيداً تتعلق بفك وديعة الصندوق، وهي قضايا سبق تناولها بالتفصيل. هذه التجاوزات مستمرة منذ عام 2021 وحتى الآن، دون أي تدخل فعال من القيادة العليا للهيئة.

مسؤولية القيادة السابقة: سنوات من التقاعس

تثير فترة تولي الدكتور أحمد بهاء الدين العساسي، الرئيس المُقال، لمنصبه تساؤلات حول المسؤولية عن هذه التجاوزات. فقد تولى العساسي منصب نائب رئيس الهيئة في عام 2019، ثم أصبح رئيساً لها في عام 2022. وهذا يعني أنه قضى ست سنوات ونصف في موقع قيادي بالهيئة، نائباً ثم رئيساً. هذا يطرح سؤالاً مهماً: ما الذي فعله تجاه كل هذه المخالفات الصارخة التي استمرت تحت إشرافه؟

اقرأ أيضًا: رقم غير مسبوق.. منظمة الصحة العالمية: حالات سوء التغذية الحاد في غزة تسجل أعلى معدل شهري في يوليو الماضي

مطالبة بتحقيق شامل ومحاسبة فورية

تُثمن القرارات الحكيمة لوزير الثقافة، خاصة قرار إقالة رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، لكن الإقالة وحدها لا تكفي. فمنطق المحاسبة يتطلب تحقيقاً شاملاً في كافة التجاوزات الإدارية والمالية التي جرت، لأن الأمر يتعلق بمال عام ومؤسسة عامة لا يمكن أن تكون مسرحاً للمصالح الشخصية أو الإهمال. يجب فتح تحقيق رسمي يكشف كل ما حدث من تجريف لهيئة الكتاب خلال السنوات الست والنصف الماضية. ما تشهده الهيئة ليس مجرد تجاوزات فردية، بل منظومة متكاملة من التداخلات المصلحية والإدارية التي تهدد سلامة العمل المؤسسي وتضر بمصالح العاملين والمؤسسة على حد سواء. إن المؤسسات الثقافية في مصر تستحق إدارة نزيهة وشفافة تخدم رسالتها النبيلة في نشر المعرفة والثقافة، والوقت قد حان لوضع حدّ نهائي لهذه الممارسات واستعادة هيبة المؤسسة الثقافية العريقة.

اقرأ أيضًا: مأساة حفل رمضان.. والد الضحية: “ابني لن يعود، لكن حقه يجب أن يعود”