هنا السر.. المشعر الحرام.. ليلة مبيت الحجيج في حضن الرحمة قبل يوم النحر

عندما يغيب شمس يوم عرفة، ومع أصوات التلبية والتكبير التي تملأ الأجواء، يبدأ ضيوف الرحمن رحلتهم المباركة من صعيد عرفات، في مشهد إيماني مهيب، متجهين نحو المشعر الحرام في مزدلفة. هذه البقعة الطاهرة تعد من أهم المشاعر المقدسة في مناسك الحج، وتستمد قدسيتها من ارتباطها العميق بعبادة الأنبياء وتاريخ الإسلام.

مزدلفة: ليلة من السكينة والذكر

في مزدلفة، يقضي الحجاج ساعات من الهدوء والعبادة الخالصة، في ليلة استثنائية تمتزج فيها أنوار الخضوع الإلهي بذكر الله، ويحل الصمت الذي يتخلله الدعاء، لتغمر قلوبهم طمأنينة عظيمة ورجاء في مغفرة الله. هذه الليلة ليست مجرد محطة عابرة في رحلة الحج، بل هي محطة روحانية عميقة، ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: “فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام”. هنا، تتجلى أسمى معاني الحج، حيث يتلاقى جسد الحاج المُتعب بقلبه الذي يتوق إلى الغفران.

بساطة العبادة: مبيت الحجاج في مزدلفة

في ليلة مزدلفة، تختصر الدنيا بكل تعقيداتها في مشهد بسيط: حصى الأرض، وسماء مفتوحة تستقبل الدعوات والرجاء. يبيت الحجاج في هذا المكان المبارك حتى فجر اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو يوم النحر. هذا المبيت يعكس بساطة الأنبياء وتجردهم من كل مظاهر الدنيا، فترى الحاج يفترش الأرض ويلتحف السماء، ينتظر شروق شمس يوم العيد، وقد غمره الإيمان وتشبعت روحه بالدعاء الصادق.

اقرأ أيضًا: عاجل.. المبعوث الأمريكي: مقترح لوقف إطلاق النار مطروح.. وعلى حماس قبوله

جمع الحصى في مزدلفة: استعداد روحي وعملي

في مزدلفة، يقوم الحاج بجمع الحصيات الصغيرة التي سيستخدمها لاحقًا في رمي الجمرات بمنى، استعدادًا لأيام التشريق. لكن هذا العمل البسيط يتجاوز مجرد جمع الحصى؛ إنه لحظة تأمل عميق ومراجعة للنفس، وسكون يسبق الأيام المزدحمة بـ الطواف والرمي والنحر. إنها فرصة للتحضير الروحي والنفسي لما تبقى من مناسك الحج العظيمة.

خدمات المملكة في مزدلفة: أمان وراحة للحجاج

تبذل المؤسسات والجهات المعنية في السعودية جهودًا جبارة لتوفير أقصى درجات الراحة والأمان لضيوف الرحمن في مزدلفة. تنتشر فرق الهلال الأحمر، والنقاط الإرشادية، وسيارات الإسعاف المجهزة بالكامل. كما تعتمد السلطات على أنظمة إنارة قوية وتنظيم دقيق لحركة الحجيج، خصوصًا مع التدفق الهائل لأعدادهم بعد مغيب شمس عرفات. من الأعلى، يبدو المشهد وكأنه نهر ضوئي هادئ يتدفق باتجاه مزدلفة، في لوحة تنظيمية مبهرة.

مزدلفة: أثر النبوة وبصمة التاريخ

كل ركن في المشعر الحرام بـ مزدلفة يحكي قصة من قصص التاريخ الإسلامي. هنا، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبات فيها، وعلّمنا كيف نذكر الله ونتأمل في رحمته الواسعة. وما زلنا على أثره نسير، مستلهمين الدروس والعبر من سيرته العطرة.

اقرأ أيضًا: عاجل.. غدا طقس حار بالقاهرة شديدة الحرارة جنوبا ونشاط رياح والعظمى بالعاصمة 31 درجة

صباح يوم النحر: الانتقال إلى منى

عندما يبزغ فجر يوم النحر، ومع تنفس الصبح، يتوجه الحجيج من مزدلفة إلى منى لـ رمي جمرة العقبة الكبرى، ثم يقومون بالنحر والحلق أو التقصير. وهكذا، تنقضي ليلة من أعظم ليالي العمر، تظل ذكراها راسخة في القلب والعقل، وتبقى مزدلفة هي المشهد الروحاني الذي لا يُنسى في رحلة حج لا تتكرر كثيرًا.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *