في لحظة حزينة للإنسانية جمعاء، نعى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية ورأس الفاتيكان، الذي وافته المنية اليوم الإثنين، بعد مسيرة استثنائية من العطاء الإنساني والتفاني في دعم قضايا العدالة والسلام والحوار بين الثقافات المختلفة.
البابا فرنسيس.. حياة كرّسها لخدمة الضعفاء وقضايا الإنسانية
أعرب الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف عن بالغ حزنه لرحيل البابا، الذي وصفه بأنه كان “رمزًا إنسانيًّا من طراز فريد”، إذ سخّر حياته لخدمة البشر، والدفاع عن المستضعفين، ونشر قيم الأخوة والرحمة. ولفت إلى أن البابا فرنسيس لم يتوانَ لحظة عن تقديم الدعم والمساندة لكل من تعرض للظلم أو العدوان، وظل حريصًا على تبني خطاب إنساني عالمي، يتجاوز الحواجز الدينية والثقافية والعرقية.
العلاقة بين الأزهر والفاتيكان.. عهد جديد من الحوار والتفاهم
واستعرض فضيلة شيخ الأزهر المحطات المهمة التي جمعت بينه وبين البابا فرنسيس، مشيرًا إلى أن العلاقة بين الأزهر الشريف والفاتيكان شهدت نقلة نوعية في عهد البابا الراحل، حيث بدأت بتشريفه حضور مؤتمر الأزهر العالمي للسلام في عام 2017، والذي كان أول لقاء تاريخي من نوعه، ثم توجت هذه العلاقة بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في عام 2019، وهي وثيقة تاريخية وُلدت من إرادة صادقة رغم ما واجهها من تحديات، وجاءت لتعبر عن التقاء الإرادات الصالحة من أجل السلام العالمي.
وأشار الإمام الأكبر إلى أن هذه العلاقة لم تقتصر على اللقاءات الرمزية، بل امتدت إلى مشروعات وبرامج حوارية مشتركة أسهمت بفعالية في تعزيز التواصل بين أتباع الإسلام والمسيحية، وتشجيع التفاهم والتسامح على مستوى العالم.
موقف البابا من القضايا العربية والإسلامية
أكد شيخ الأزهر أن البابا فرنسيس سيظل حاضرًا في الوجدان الإنساني، ليس فقط بصفته رأس الكنيسة الكاثوليكية، بل بصفته إنسانًا عادلًا ومنصفًا. وأشاد بمواقف البابا الداعمة للقضايا العربية، وخصوصًا موقفه الواضح تجاه العدوان على غزة، ورفضه الصريح لممارسات العنف والتطرف، إضافة إلى تصديه العلني لمظاهر الإسلاموفوبيا، داعيًا إلى احترام المسلمين وثقافتهم، وهو ما عكس عمق إنسانيته واتزانه الأخلاقي والديني.
وأضاف الإمام الطيب أن هذه المواقف جعلت من البابا فرنسيس صوتًا ضميرًا عالميًّا، يُحتذى به في تبني القيم المشتركة، وفتح قنوات التواصل الحضاري، بعيدًا عن الكراهية والتمييز.
شيخ الأزهر يتقدم بالعزاء للكنيسة الكاثوليكية والعالم
وفي ختام نعيه، تقدّم فضيلة الإمام الأكبر بخالص التعازي وأصدق المواساة إلى أسرة قداسة البابا فرنسيس، وإلى أتباع الكنيسة الكاثوليكية حول العالم، داعيًا الله أن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يُثيب الراحل الكبير على ما قدّمه للبشرية من أعمال وسعي حثيث في سبيل ترسيخ المحبة والتفاهم بين الناس على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم.
إرث إنساني باقٍ في الذاكرة
برحيل البابا فرنسيس، يفقد العالم واحدًا من أبرز دعاة السلام المعاصرين، ورمزًا إنسانيًا استطاع بجهوده وصدقه وجرأته أن يبني جسورًا من التفاهم بين الشرق والغرب، وأن يكون شريكًا حقيقيًا في ترسيخ الأخوة الإنسانية، وهي الرسالة التي ستحملها الأجيال القادمة تخليدًا لإرثه الكبير.