كيف يعيش أصحاب المعاشات بمصر حالياً؟

“اضطريت أبيع نصيبي في ورث والدي لتجهيز ابنتي الكبرى، لأن معاش زوجي المتوفى يكفي متطلبات الأكل والشرب بالعافية”، هكذا وصفت سعدية رجب تدهور المعيشة في مصر والتي تسببت في لجوء الأم الأرملة البالغة من العمر 42 عاماً من محافظة الشرقية، لبيع نصيبها في ميراث والدها لتغطية تكاليف زفاف ابنتها. وبينما يكفي معاش زوجها المتوفى بصعوبة لتأمين الطعام لأبنائها الأربعة، وجدت نفسها مضطرة لاتخاذ هذا القرار في ظل غلاء المعيشة وتزايد الأعباء.

جأر عدد من أصحاب المعاشات بالشكوى من الضغوط المتزايدة التي يواجهونها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، بعد رفع الحكومة أسعار الوقود للمرة الثانية خلال 6 أشهر، بما يتراوح بين 10% و33%.

اقرأ أيضًا: اغتصب طفلته وأجبر ابن خالتها على مواقعتها.. الجنايات تعاقب “

وبالرغم من إعلان الحكومة المصرية مؤخراً عن زيادة جديدة في المعاشات بنسبة 15% اعتباراً من يوليو 2025، إلا أنها تعتبر غير مرضية في ظل ارتفاع الأسعار والذي طال كافة السلع والخدمات لاسيما الوقود والطعام والأدوية والنقل والمواصلات، بحسب عدد من أصحاب المعاشات تحدثوا مع “الشرق”.

أصحاب المعاشات في مصر

عدد أصحاب المعاشات في مصر يبلغ حوالي 11.5 مليون مواطن يصرفون شهرياً نحو 38 مليار جنيه حالياً، حسبما ذكر جمال عوض رئيس هيئة التأمينات الاجتماعية لـ”الشرق”.

اقرأ أيضًا: عودة الحركة المرورية لطبيعتها بعد رفع آثار حادث تصادم بـ”القاهرة الإسكندرية”

مسؤول حكومي مطلع على الملف التأميني، يقول إن الحد الأدنى للمعاشات يبلغ 1495 جنيهاً، ويتفاوت حسب المدة التأمينية، والدرجة الوظيفية. مضيفاً لـ”الشرق” أن هناك شرائح من العاملين في القطاعين الحكومي والخاص تتقاضى معاشات تتراوح بين 1500 جنيه إلى 3000 جنيه، بينما يصل متوسط المعاشات في مصر إلى نحو 5000 جنيه.

يصل الحد الأقصى للمعاشات في مصر إلى 11600 جنيه، ويُمنح لمن تشملهم أعلى شرائح الأجر التأميني، وذلك وفقاً للتعديلات الجديدة التي تطبق على من تنتهي خدمتهم اعتباراً من 1 يناير 2025، وفق المسؤول الذي اشترط عدم ذكر اسمه.

اقرأ أيضًا: أخبار مصر | اللجنة المكلفة من القمة العربية والإسلامية تطالب بوقف دائم ومستدام لإطلاق النار في غزة

مسؤول سابق بوزارة المالية، خدم لنحو 40 عاماً، قال إنه خرج إلى المعاش في 2020 بقيمة تُقدّر بنحو 3 آلاف جنيه، إلا أن معاشه الشهري في 2025 لا يتجاوز خمسة آلاف جنيه، رغم الزيادات السنوية التي تُقرها الحكومة، مضيفاً لـ”الشرق” أن المعاش لم يعد كافياً لتغطية الحد الأدنى من المصروفات الشهرية، وسط الارتفاع المتواصل في الأسعار وتكاليف المعيشة.

التضخم يحاصر ميزانيات أصحاب المعاشات

وفي يونيو الماضي، ارتفعت أسعار بعض أصناف الأدوية في البلاد بنسبة تتراوح بين 20-25% خاصة أدوية الأمراض المزمنة، وبنسبة تصل إلى 50% لأدوية الفيتامينات والمكملات الغذائية. وفي الشهر الجاري، زادت مصر أسعار جميع أنواع البنزين والسولار، وبلغت قيمة الزيادة جنيهين للتر. وقالت وزارة البترول المصرية إنه لن تتم دراسة تغيير الأسعار الحالية للمنتجات البترولية قبل مرور ستة أشهر مقبلة.

اقرأ أيضًا: مش هتستنى نص ساعة بعد كده.. ازاي تتفرج على مسلسل “العتاولة” و “المداح” من غير إعلانات؟

من شأن زيادة أسعار كافة فئات المحروقات -التي تواجه غضباً شعبياً في وقت تواصل الأسعار الارتفاع- أن تغذي التضخم في مصر، خصوصاً بعدما تسارع في مدن مصر خلال مارس الماضي، ليبلغ 13.6% على أساس سنوي مقابل 12.8% في فبراير، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وزاد سعر أسطوانة البوتاغاز المنزلي (12.5 كغم) من 150 إلى 200 جنيه، وأسطوانة البوتاغاز التجاري من 300 إلى 400 جنيه، وطن الغاز الصب من 12 ألفاً إلى 16 ألف جنيه.

اقرأ أيضًا: أخبار مصر | مفتي الجمهورية: شهر رمضان مدرسة إيمانية تزرع الأخلاق المحمدية

وخلال العام الماضي، توجهت الحكومة لرفع أسعار العديد من السلع الخدمات، حيث زادت أسعار تذاكر المترو والقطارات في أغسطس 2024 بنسب تراوحت بين 12.5% و25%، وذلك ضمن مساعي البلاد إلى تقليص الدعم على الكثير من الخدمات والسلع الرئيسية. 

وفي مايو 2024، رفعت الحكومة سعر رغيف الخبز المدعم 300%، في خطوة هي الأولى منذ أكثر من 3 عقود. ثم جاء الإعلان عن رفع أسعار الإنترنت الأرضي وخدمات الهاتف المحمول، ثم زيادة في أسعار الكهرباء، ومواد البناء وتحديداً الأسمنت والحديد.

على بعد 400 كيلو متر من القاهرة إلى سوهاج، تعاني شريفة أحمد (55 عاماً) من صعوبة المعيشة بعد تقاعد ووفاة زوجها المدرس، إذ انخفض دخل الأسرة من 8 آلاف جنيه إلى 3200 جنيه بعد خروجه بالمعاش. الأم المسؤولة عن ثلاثة أبناء، أحدهم يعمل لمساعدة الأسرة في ظل ارتفاع الأسعار وضآلة الدخل، تقول إن معاش زوجها حالياً لا يكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

“تواجه غالبية الأسر المصرية صعوبة في تدبير تكلفة الوجبات الأساسية، حيث تتجاوز أقل وجبة إفطار (فول وطعمية وبطاطس وباذنجان) 50 جنيهاً، فيما لا تقل وجبة الغداء عن 100 جنيه، وتتأثر تكلفتها بإضافة البروتين من عدمه وهكذا الحال في العشاء”، بحسب شريفة.

بالنظر إلى الأرقام السابقة سنجد أن الأسرة المكونة من 4-5 أفراد تحتاج يوميًا متوسط 250 جنيها كحد أدنى لتغطية تكاليف وجبات الطعام فقط، أي ما يعادل 7500 جنيه شهرياً غير شاملة مصاريف الأدوية والنقل والمواصلات والتعليم والملابس والإيجار والكهرباء والغاز والمياه والظروف الاستثنائية كالأعياد والمناسبات.

الغلاء لم يقتصر على الأرامل أو ربات البيوت، بل طال الموظفين أيضاً، ويقول مسؤول سابق في مصلحة الضرائب تحدث مع “الشرق” أنه خدم نحو 30 عاماً، ومعاشه الحالي لا يتعدى ثلاثة آلاف جنيه، مؤكدًا أن المبلغ لا يكفي لتلبية احتياجات أسرته اليومية.

دعم الوقود في مصر

كان رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، أشار في وقتٍ سابق من الشهر الجاري إلى أن الحكومة تعتزم تنفيذ خطة لرفع دعم الوقود تدريجياً بحلول نهاية 2025، مع الاستمرار في تقديم دعم جزئي لمنتجات محددة، أبرزها السولار وأسطوانات غاز الطهي.

وبلغت قيمة دعم المواد البترولية خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2024-2025 نحو 71 مليار جنيه، بحسب التقرير النصف السنوي لوزارة المالية.

كما تستهدف الحكومة المصرية خفض مخصصات دعم الوقود في مصر بمشروع موازنة السنة المالية المقبلة 2025-2026 إلى 75 مليار جنيه، وفقاً لبيان صدر عن مجلس الوزراء مؤخراً.

أبدى عدد من المحامين استياءهم من آلية احتساب معاشات نقابة المحامين، والتي تحدد بنحو 40 جنيهاً عن كل سنة قيد في جدول المشتغلين، بحد أقصى 40 عاماً، أي أن الحد الأقصى للمعاش يبلغ 3000 جنيه، بينما الحد الأدنى دون ألف جنيه.

أحد المحامين تحدثت معه “الشرق”، قال إن النقابة تشترط تقديم توكيل عام في القضايا عن كل سنة مزاولة، وفي حال فقدان التوكيل، تُحذف السنة من رصيد سنوات العمل التي تُحتسب على أساسها قيمة المعاش.

وتابع: “الأمر نفسه ينطبق على الورثة، الذين يُطلب منهم تقديم التوكيلات عن سنوات العمل، وإلا تُلغى تلك السنوات من استحقاق المعاش، وأنه رغم وعود متكررة من مجلس النقابة بزيادة المعاشات، إلا أن الزيادة الوحيدة التي طُبقت كانت دورية سنوية بنسبة 5%، لم تتجاوز في معظم الأحوال 20 جنيهاً”.

تكافل وكرامة

مسؤول حكومي، قال إنه بعد إقرار الحكومة 25% زيادة لمعاشات تكافل وكرامة -وهو برنامج دعم نقدي لمساعدة الأسر الأكثر فقراً- أصبحت قيمة معاش الأسرة 1033.20 جنيه بدلاً من 826.56 جنيه، وهو للمرأة المعيلة التي لها أولاد في مراحل تعليمية وليس لهم عائد مادي.

تبلغ أعداد الأسره المستفيده من معاش تكافل وكرامة حاليا نحو 5.2 مليون مستفيد بقيمة 40 مليار جنيه ترتفع إلى 54 مليار جنيه في العام المالي المقبل بنمو 35%، بحسب بيانات وزارة المالية.

المسؤول قال لـ”الشرق”، إنه تم رفع معاش المسنين وذوي الإعاقة إلى 929.89 جنيه، من 743.91 جنيه، وهو لكبار السن الذين تخطوا 65 عاماً وليس لديهم عائد مادي ولا تأميني، بجانب ذوي الإعاقة. في حين ارتفع معاش الأيتام إلى 723.24 جنيه بدلاً من 578.59 جنيه. كما أصبح معاش كبار السن وذوي الإعاقة 926 جنيهاً، و1000 جنيه للمرأة المعيلة.

المسؤول أشار إلى أن هذه الزيادة تستهدف تحسين ظروف الحياة للأسر الأكثر احتياجاً، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، وهي خطوة ضمن العديد من الإجراءات الحكومية التي تهدف إلى تقديم الدعم المالي للمواطنين.

بحسب آخر بيانات متوفرة من قِبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت معدلات الفقر في مصر 29.7% خلال السنة المالية 2019-2020، من إجمالي عدد مواطني البلاد الذين يزيدون عن 105 ملايين نسمة.

أسعار الإيجارات

لم يقتصر الغلاء على السلع والخدمات فقط، بل طال المسكن، والذي استحوذت تكلفته على النصيب الأكبر من دخول المصريين خلال العامين الماضيين، في عدة مناطق، مع ارتفاع الإيجارات مدفوعةً بالضغوط التي شهدها اقتصاد مصر، وخفض قيمة الجنيه أمام الدولار، وأيضاً نزوح أعداد كبيرة من السودانيين نحو القاهرة والجيزة المكتظتين بالسكان.

بحسب وسطاء عقاريين في مناطق شعبية، فإن القفزة التي شهدتها أسعار الإيجارات منذ منتصف 2023، أثرت بصورة كبيرة على وضع السوق من جانب، وعلى المصريين من جانب آخر، إذ سعى كثير من ملاك الوحدات إلى تأجيرها للوافدين من السودان وسوريا، وهو ما زاد من صعوبة استئجارها من قبل المصريين، لارتفاع تكلفتها.

وفي مسح أجرته “الشرق” لمناطق السيدة زينب وبولاق أبو العلا في وسط القاهرة، والهرم وفيصل وأرض اللواء وبين السرايات في الجيزة، فإن أسعار الإيجارات صعدت بأكثر من 80% في العام الماضي فقط، لتصل في المتوسط إلى 8 آلاف جنيه.

أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، عالية المهدي، أكدت عدم تناسب ارتباط زيادة المعاشات بمعدل التضخم، خاصة أن هيئة التأمينات وضعت حداً أقصى للزيادة 15%، في وقت تجاوز معدل التضخم خلال عامي 2023 و2024 أكثر من 35%، فيما لم تتجاوز زيادة أصحاب المعاشات سوى 15%.

بحسب بيانات الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بمصر، فقد تم تحديد الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأميني بـ2300 جنيه، والحد الأقصى بـ14500 جنيه، وهو ما يحدد القيمة النهائية للمعاش عند التقاعد.

المهدي قالت في حديثها لـ”الشرق”، إن أصحاب المعاشات في مصر يعانون حالياً بسبب انخفاض قيمة دخلهم الثابت من 40% إلى 55%، بعد خروجهم على المعاش، بجانب مرورهم بموجات تضخم كبيرة أثرت على أسعار كافة السلع والأدوية ومتطلبات الحياة، بالإضافة إلى تأثيرات انخفاض العملة المحلية.

تقول منى بدير محلل الاقتصاد الكلي في أحد البنوك الخاصة، إن مستويات التضخم التي ارتفعت على مدار 3 سنوات الماضية قرابة 100% لا تتماشي مع الزيادات في دخول أصحاب المعاشات.

أضافت بدير في حديثها مع “الشرق” أن الحكومة لا تستطيع زيادة المعاشات بنفس مستويات التضخم وذلك لعدم قدرة الموازنة العامة للدولة على استيعاب هذه الزيادات في ظل ارتفاع مستويات العجز بالموازنة العامة.. “أصحاب المعاشات قد يشعرون بتحسن نسبي مع تباطؤ وتيرة الارتفاعات في التضخم خلال الفترة المقبلة”.

يرى محمد فؤاد الخبير الاقتصادي، أن 98% من المواطنين يستحيل عليهم الحفاظ على مستوياتهم الاجتماعية في ظل الاعتماد على مصادر دخل محلية فقط، كما أن زيادة المعاشات لا تواكب ارتفاع مستويات التضخم إلى 30%.

في صعيد مصر أقصى الجنوب تحديداً بمحافظة أسيوط، تشكو رضوى السيد (57 عاماً) -والتي تعول خمسة أبناء- من ضعف قيمة معاشها البالغ حالياً 2000 جنيه بعد اقتطاع قرض زواج ابنتها، مقارنة بمعاشها الأول عام 2013 البالغ 720 جنيهًا والذي كان يكفي احتياجات أكثر رغم قلته، بسبب انخفاض الأسعار آنذاك.