موقع الدفاع العربي 15 أبريل 2025: في يوم بدا عادياً للوهلة الأولى، شهدت الأجواء المصرية مشهداً غير مألوف: هبوط أكثر من خمس طائرات نقل عسكرية صينية من طراز “شيان Y-20″، وفقاً لما رصده محللون من خلال مصادر استخباراتية مفتوحة وبيانات الرحلات من منصات مثل Flightradar24.
هذا الحدث، الذي وقع في منتصف أبريل 2025، أثار فضولاً واسعاً ونقاشاً بين المحللين والمهتمين بالشؤون العسكرية. وعلى الرغم من أن طبيعة الشحنة التي نقلتها الطائرات لم تُكشف بعد، فإن وصول هذه الطائرات العملاقة يرمز إلى تعمق العلاقات العسكرية بين الصين ومصر، ويثير تساؤلات حول طموحات بكين الاستراتيجية في منطقة طالما خضعت لتأثيرات غربية وروسية.
يمثل نشر طائرات Y-20 – والتي تُعد حجر الزاوية في قدرات النقل الجوي الصينية المتنامية – مؤشراً على تحول جيوسياسي أوسع، قد يعيد تشكيل التحالفات وتوازنات القوى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تُعرف طائرة شيان Y-20 رسمياً باسم “كونبنغ Kunpeng”، نسبة إلى كائن أسطوري في الثقافة الصينية، بينما تُلقب في أوساط الطيران الصيني بـ”الفتاة الممتلئة” بسبب بدنها العريض. وتُعد هذه الطائرة إنجازاً مهماً لسلاح الجو التابع لجيش التحرير الشعبي الصيني.
Apr. 15, 2025#China #Dubai #Egypt #NoCALLSIGN #7A4444 PLAAF Xi’an Y-20 Kunpeng pic.twitter.com/0CvwPRemkb
— Heo TaeJin (@AIYeyENGDdJkjTr) April 14, 2025
طورتها شركة “شيان لصناعة الطائرات”، وأجرت أولى رحلاتها في يناير 2013، قبل دخولها الخدمة في يوليو 2016، مما أدخل الصين إلى نادي الدول القادرة على تصنيع طائرات نقل عسكرية ثقيلة.
يبلغ الحد الأقصى لوزن إقلاع الطائرة نحو 220 ألف كيلوجرام (485 ألف رطل)، وتستطيع حمل حمولة تصل إلى 66 طناً مترياً، ما يجعلها قادرة على نقل مجموعة واسعة من المعدات، مثل الدبابات والمركبات المدرعة والقوات والإمدادات الإنسانية.
يمكن لعنبر الشحن، الذي يبلغ ارتفاعه نحو أربعة أمتار، أن يستوعب دبابات صينية ثقيلة مثل Type 99A، أو عدة مركبات خفيفة مثل دبابة Type 15. وتختلف مدى الطائرة بحسب الحمولة: إذ يمكنها قطع مسافة 7,800 كيلومتر عند حمل 40 طناً، أو 4,500 كيلومتر بكامل الحمولة، مما يجعلها منصة مرنة للعمليات بعيدة المدى.
وتضع هذه المواصفات الفنية الطائرة في نفس فئة طائرات النقل الثقيلة المعروفة مثل “بوينغ C-17 غلوب ماستر 3″ الأمريكية و”إليوشن Il-76” الروسية، وإن كانت تقل عن C-17 من حيث سعة الحمولة القصوى التي تبلغ 77 طناً.
كانت النماذج الأولى من Y-20 مزودة بمحركات روسية من طراز Soloviev D-30KP-2، لكن النسخ الحديثة، المعروفة باسم Y-20B، تستخدم محركات صينية محلية من طراز Shenyang WS-20.
وتنتج هذه المحركات نحو 28,660 رطلاً من الدفع لكل محرك، مما يعزز أداء الطائرة، مع تحسين كفاءة استهلاك الوقود وإمكانية زيادة المدى وسعة الحمولة. ويعكس هذا التحول إلى المحركات المحلية رغبة الصين في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا العسكرية، وتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب.
وتشمل تصميمات الطائرة ميزات متقدمة، مثل استخدام أجزاء مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لتسريع الإنتاج، وتقنيات تعريف قائمة على النماذج لتقليل تكاليف التصنيع، ما يجعلها منافساً عصرياً في سوق النقل العسكري العالمي.
ولا تقتصر مرونة Y-20 على مهام نقل البضائع فقط؛ إذ توجد نسخ منها مثل Y-20U التي تُستخدم كطائرات تزود بالوقود جواً، ما يمد مدى الطائرات المقاتلة الصينية مثل J-20 وJ-16. كما رُصدت نسخ اختبارية للإنذار المبكر والتحكم الجوي، يُعتقد أنها تُعرف مبدئياً باسم KJ-3000.
وتبرز هذه النسخ المختلفة من الطائرة دور Y-20 كمنصة متعددة المهام، قادرة على دعم مجموعة من المهام تتراوح بين الإمداد اللوجستي القتالي والإسقاط الاستراتيجي للقوة.
وقدرتها على العمل في ظروف متنوعة، بما في ذلك المطارات المرتفعة والمهابط غير الممهدة، تجعلها مناسبة بشكل خاص للعمليات في البيئات الصعبة، وهو ما يتماشى مع توسع الصين المتزايد في مجال الحضور العسكري العالمي.
وتكمن أهمية ظهور Y-20 في مصر ليس فقط في قدراتها الفنية، بل أيضاً في سياق العلاقة المتنامية بين بكين والقاهرة.
تُعد مصر، التي تحتل موقعاً استراتيجياً عند تقاطع إفريقيا والشرق الأوسط والمتوسط، لاعباً محورياً في الجغرافيا السياسية الإقليمية. ويزيد من أهمية دورها سيطرتها على قناة السويس، أحد الشرايين الحيوية للتجارة العالمية، فضلاً عن امتلاكها جيشاً كبيراً ومؤثراً.
ولعقود من الزمن، اعتمدت مصر على مزيج من الموردين الغربيين والروس والأوروبيين في تسليح قواتها، محافظةً على توازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. لكن في السنوات الأخيرة، اتجهت القاهرة بشكل متزايد نحو الصين لتنويع مصادر تسليحها، مدفوعة بعوامل اقتصادية وحسابات استراتيجية.
وكشفت تقارير من عام 2024 اهتمام مصر بالمعدات العسكرية الصينية، بما في ذلك مقاتلة J-10C متعددة المهام ذات المحرك الواحد، والتي صُممت لمنافسة نظيراتها الغربية مثل F-16.
ووفقاً لموقع الدفاع والطيران Simple Flying، واجهت مصر صعوبات في الحصول على مقاتلات متقدمة من روسيا والولايات المتحدة، مما دفعها إلى الدخول في محادثات مع الصين لاقتناء نحو 12 مقاتلة من طراز J-10C.
وعلى الرغم من عدم تأكيد أي صفقة حتى أوائل عام 2025، فإن ظهور طائرات J-10 خلال معرض مصر الدولي للطيران في سبتمبر 2024 – حيث حلقت إلى جانب طائرات Y-20 فوق أهرامات الجيزة – يُعد مؤشراً واضحاً على وجود تفاعل نشط بين مؤسسات الدفاع في البلدين.
كما أن مصر اشترت طائرات بدون طيار صينية من طراز Wing Loong-1D، والتي تُقدم قدرات مشابهة للطائرة الأمريكية MQ-9 Reaper ولكن بتكلفة أقل، مما يُعزز من دلائل الشراكة الدفاعية المتنامية بين القاهرة وبكين.
أما فيما يتعلق بشحنة طائرات Y-20 التي وصلت في أبريل 2025، فإن التكهنات بطبيعتها تدور حول معدات عسكرية، رغم عدم توفر أدلة ملموسة حتى الآن.
هل من الممكن أن تكون الطائرات قد حملت مقاتلات J-10؟
البعض من المهتمين بهذا الشأن يطرح هذا الاحتمال، إذ إن عنبر الشحن في Y-20 يُمكنه من الناحية النظرية استيعاب مقاتلة مفككة، نظراً لأبعاده وسعة حمولته. ومع ذلك، فإن نقل مقاتلات بهذه الطريقة يُعد أمراً نادراً ومعقداً من الناحية اللوجستية.
الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن الطائرات حملت طائرات بدون طيار، أو أنظمة صواريخ، أو مركبات أرضية، وهي معدات تتماشى مع أنماط الشراء المعروفة لدى مصر.
فعلى سبيل المثال، نظام الدفاع الجوي الصيني HQ-9 – وهو نظام صواريخ أرض-جو بعيدة المدى يُقارن بمنظومة إس-300 الروسية – يُسوّق في الشرق الأوسط ويمكن أن يُعزز من قدرات الدفاع الجوي المصري. كما أن أنظمة أخف مثل الصواريخ المضادة للسفن أو المدفعية يُمكن أيضاً أن تتماشى مع قدرات Y-20.
لكن ما يتجاوز محتوى الشحنة هو رمزية وصول Y-20 إلى مصر.
فقدرة هذه الطائرات على تنفيذ رحلة طويلة – يُحتمل أن تتجاوز 10 آلاف كيلومتر من الصين – تُظهر قدرة سلاح الجو الصيني على إسقاط مظلة قوته في مناطق بعيدة عن حدوده.
وكما أشار الخبير العسكري الصيني وانغ مينغتشي في تقرير لوكالة شينخوا عام 2024، فإن مثل هذه العمليات تُعد اختباراً لمهارات الطيارين الصينيين، وتُبرز مدى قدرة الصين على تنفيذ عمليات لوجستية على نطاق عالمي، في رسالة واضحة للحلفاء والخصوم مفادها أن بكين قادرة على الوصول عسكرياً إلى مسارح عمليات بعيدة.
وتُشبه هذه القدرات الدور الاستراتيجي الذي لعبته طائرات النقل الأمريكية C-17 والروسية Il-76 لعقود، إذ تُعتبر Y-20 بالنسبة للصين أداة للنقل، لكنها أيضاً رمز لطموحها في منافسة هذه القوى ومدّ نفوذها إلى مناطق كانت تاريخياً خارج نطاق تأثيرها المباشر.
تقارب مصر مع الصين يُجسّد توجهاً أوسع في الشرق الأوسط وإفريقيا نحو تنويع الشركاء بعيداً عن الموردين التقليديين.
فعلى سبيل المثال، وقعت المملكة العربية السعودية صفقة سلاح مع الصين بقيمة 4 مليارات دولار عام 2022 شملت طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية، بحسب وكالة بلومبيرغ.
كما اقتنت الجزائر فرقاطات وطائرات بدون طيار صينية، وتُعد نيجيريا من الدول التي تهتم باقتناء طائرة Y-20 نفسها. وتشير هذه التطورات إلى أن بكين تسعى لتقديم نفسها كبديل فعّال في أسواق السلاح العالمية، عبر توفير حلول أرخص وذات شروط سياسية أقل.
أما بالنسبة لمصر، فإن تعزيز التعاون مع الصين قد يمنحها ورقة ضغط جديدة في مفاوضاتها مع واشنطن، التي سبق وأن علّقت المساعدات أو مبيعات الأسلحة لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان.