وفرضت وزارة التضامن الاجتماعي، ممثلة في اللجنة العليا للأسر البديلة الكافلة، غرامة مالية قدرها 20 ألف جنيه على كل أسرة تقرر إعادة الطفل المكفول إلى دار الرعاية بعد تبنيه.
وفي هذا الصدد، توضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أمل شمس أن الطفل المكفول يرى في الأسرة التي تكفله مصدرا للأمان النفسي والمادي والاجتماعي الذي كان يفتقده ونافذة على العالم الذي كان يحلم باستكشافه والحياة التي كان يحلم بها، بعد أن كان يتعرض للعنف والإيذاء والحرمان وغيرها من السلبيات التي يعانيها معظم الأيتام بدور الرعاية.
وتضيف شمس في حديثها لموقع “سكاي نيوز عربية” أن أي أسرة في بداية تبنيها أو كفالتها لطفل ترى فيه مصدرا للبهجة والسعادة وإشباعا لحاجتها للأبوة أو الأمومة فتترجم هذه المشاعر إلى اهتمام واحتفاء بالطفل، لكن مع مرور الوقت وفي حالة إنجاب الأسرة لطفل فغالبا ما تتحول المشاعر الإيجابية والدافئة تجاه الطفل المكفول إلى نفور فتنظر إليه إلى أنه يمثل عبئا ماديا وأنها لم تعد تحتاج إليه فترغب في التخلص منه، وهنا يكون الطفل هو الضحية حيث يتعرض لصدمات نفسية ويشعر بالضياع والنبذ غير المبرر ويجد نفسه مشردا مرة أخرى حينما تتخلى عنه الأسرة التي كانت تعامله كابن لها وتشبع حاجته للانتماء والاحتواء العاطفي والمادي والاجتماعي.
وتابعت: “تعرض الطفل لمثل هذه الصدمة يفقده الشعور بالأمان ويؤدي أيضا إلى إصابته بمشكلات نفسية وعاطفية وسلوكية فيصبح ناقما على المجتمع ويفقد كل مشاعر الانتماء لمن حوله وللوطن.” وأشارت إلى أن لجوء وزارة التضامن الاجتماعي إلى فرض غرامات على الأسر التي تعيد الأطفال بعد كفالتهم لدور الرعاية، قد يبدو للوهلة الأولى أنها فكرة جيدة للحد من هذه المشكلة، لكنها ليست حلا فعليا أو جذريا ومناسبا، لأنها قد تؤدي إلى عزوف الكثيرين عن كفالة الأطفال تخوفا من عدم قدرتهم على الاستمرار في كفالتهم والاضطرار لدفع الغرامة، خصوصا وأن بعض الأسر قد تتعرض لأسباب قهرية تضطرها لإعادة الطفل لدار الرعاية حينما تتعرض لأزمة مادية على سبيل المثال، أو حينما تنجب الأسرة بنات ويكون الطفل المكفول ولد فتخشى تعرض بناتها للتحرش في مرحلة المراهقة، وهنا فإن فرض غرامات على هذه الأسر قد يأتي بنتائج عكسية أو سلبية حيث يدفع بعض الأسر معدومي الضمير إلى إساءة معاملة الطفل المكفول أو ارتكاب الجرائم للتخلص منه وإجباره على الرحيل بطريقة غير مباشرة.
وترى شمس أن الحل المنطقي الذي قد يناسب الطرفين هو أن يكون هناك جسر وتواصل مستمر بين الأسرة ودور الرعاية وأن تصطحب الأسرة بشكل دوري الطفل المكفول منذ اللحظة الأولى لكفالته ليزور دار الرعاية وتوعيه بأن هذه الدار هي بيته الآخر ومكانه الذي نشأ فيه، تحسبا للاضطرار لإعادته للدار تحت أي ظروف مستجدة، خاصة وأن هناك بعض الظروف التي تكون خارجة عن الإرادة كما هو الحال عند وفاة الأب والأم البديلين وغيره، وهنا يكون الطفل مؤهلا نفسيا لتقبل فكرة العودة للدار.
قُبلة حياة
من جانبه، يرى أستاذ علم النفس والتقويم التربوي بجامعة عين شمس تامر شوقي أن الطفل اليتيم يعد من أكثر أنماط البشر قابلية للتأثر بالضغوط المختلفة. ولا شك أن انتقال الطفل اليتيم من الملجأ أو دار رعاية الأطفال الأيتام إلى حضن أسرة تحتويه وترعاه يمثل قبلة حياة بالنسبة له وتعرضه لعديد من التغييرات الإيجابية مثل القدرة على إشباع احتياجاته من المأكل والمشرب والأمن والأمان والطمأنينة، والحب والاحتواء والرعاية، فضلا عن المسكن النظيف، وتوافر فرص تعلم جيدة له، وغيرها من الأشياء الإيجابية التي تؤثر في شخصيته وتجعل منه مواطنا صالحا يشعر بالانتماء إلى مجتمعه ووطنه. وفي حالة قيام الأسرة بإعادة الطفل إلى دور الرعاية مرة أخرى لسبب أو لأخر قد يتعرض الطفل لأزمات نفسية تفوق ما كان سيتعرض له في حالة بقائه بدار الرعاية وعدم تبنيه من الأساس، وتشمل تلك الأزمات الصدمات النفسية، وفقدان الثقة بالنفس وتفاقم شعوره بالقسوة والظلم، واكتسابه سمات وسلوكيات سلبية مثل العدوان والعنف والتخريب الذي قد يصل إلى الإجرام للانتقام من المجتمع الذي ظلمه أكثر من مرة.
ويقول شوقي في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لا شك أن فكرة فرض غرامات مالية على الأسر التي تعيد الأطفال إلى دور الرعاية لن تكون رادعة بشكل كاف لعدة أسباب منها أن هذه الغرامات قد لا تمثل شيئا خاصة للأسر ميسورة الحال، وعلى الجانب الآخر فإن بعض الأسر قد تعزف عن إعادة الأطفال خوفا من الغرامات ولكنها في المقابل ترتكب سلوكيات غير أخلاقية تجاه هؤلاء الأيتام لتحطيمهم.”
ويضيف: “لن تفلح أي عقوبات في ردع تلك الأسر، لأن الالتزام برعاية الأطفال اليتامى بشكل لائق يرتبط بالنواحي القيمية والأخلاقية والدينية لدى الأسرة، خصوصا وأن النظر إلى الطفل اليتيم كأنه بضاعة أو سلعة يضرب في مقتل الإنسانية، ولذا فلابد من حماية هؤلاء الأطفال من خلال الاختيار الدقيق لمن يعمل بدور الرعاية والتأكد من تأهيلهم نفسيا وتربويا للتعامل مع الأيتام، وكذلك تنظيم حملات توعية بوسائل الإعلام ومواقع التواصل بمخاطر إساءة معاملة الأيتام.”.
الغرامة ليست حلا
من زاوية ثالثة، يرى الناقد الفني مصطفى الكيلاني أن مسلسل “ولاد الشمس” نجح في إلقاء الضوء على هذه القضية الخطيرة وتجسيد المخاطر التي يتعرض لها الأيتام، مشيرا إلى أن فرض غرامات لمنع الأسر من إعادة الأطفال التي تكفلهم لدور الأيتام ليس حلا مناسبا، لأن ذلك قد يدفع الأسر إلى إساءة معاملة الطفل وتدميره نفسيا في حالة رغبتها في التخلص منه وتفادي إعادته لدار الرعاية تجنبا للغرامة.
ويقول كيلاني في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” إن الفنان طه الدسوقي برع في تقديم دور “مفتاح” بالمسلسل، وعلى الرغم من أنه في الأساس بدأ ممثلا كوميديا، لكنه استطاع أن يقنع المشاهد بالحالة النفسية لخريجي تلك الدور، مما خلق نوعا من المصداقية الكبيرة لدى المتلقي.
وتابع: “من أكثر المشاهد توصيلا لرسالة المسلسل عندما يقف البطل الشاب أمام منزل الأسرة التي تبنته في طفولته، ويتحدث بمرارة عن تجربته قائلا: “ادوني الحنان، وقالوا لي إني ابنهم، وبعدين لما جالهم ابنهم رجعوني الملجأ كأني شنطة خلصت صلاحيتها”.
وأكد كيلاني أن تعرض الطفل للإيذاء النفسي أو تخلي الأسرة عنه يتوقف على أخلاق كافليه ومدى تحليهم بقيم الرحمة والإنسانية وشعورهم بالمسؤولية تجاهه وتفهمهم أنه ليس شيء مقتنى أو قطة يمكنهم التخلي عنها وقتما يشاءون، فهو إنسان له مشاعر وقد ارتبط بكافليه ووجد فيهم مصدرا للأمان والاحتواء، وبالتالي فإن التخلي عنه يتنافى مع قيم الرحمة والوفاء والإنسانية.
واقترح الكيلاني أن تقوم وزارة التضامن بتخصيص لجان لمتابعة الأيتام التي تم كفالتهم بشكل دوري، كما يحدث في مظم الدول الأخرى، للتأكد من أن الأسر التي تكفلهم تعاملهم معاملة حسنة وأنها تهتم بهم دراسيا ونفسيا وأنها لا ترتكب بحقهم أي انتهاكات نفسية أو جسدية، وفي حالة إعادة الطفل للدار لابد أن يتم تأهيله نفسيا.