أزمة التعليم في اليمن: جيل كامل يدرس في الخيام ويفقد حقه في المعرفة
تتجلى أزمة التعليم في اليمن في صور مؤلمة داخل خيام مهترئة تتحول إلى فصول دراسية، حيث تحاول المعلمة سعاد صالح غرس قواعد اللغة في عقول أكثر من 100 تلميذ يتكدسون في مكان ضيق، والكثير منهم يفتقر إلى أبسط المستلزمات كالزي المدرسي والكتب، مما يعكس واقعًا مريرًا يواجهه جيل كامل من الأطفال.
تُعتبر الظروف القاسية التي يعيشها هؤلاء التلاميذ في لحج محظوظة نسبيًا عند مقارنتها بحال قرابة 4,5 ملايين طفل يمني حرمتهم الحرب المستمرة من حقهم في التعليم تمامًا، وهو ما يمثل ربع الأطفال في سن الدراسة وفقًا لإحصائيات منظمة اليونيسف، وتتفاقم المشكلة مع تدمير ما يقارب ثلاثة آلاف مدرسة بشكل كلي أو جزئي، بالإضافة إلى النقص الحاد في الكتب المدرسية وشح الكوادر التعليمية المؤهلة، مما يجعل مواجهة تداعيات أزمة التعليم في اليمن تحديًا هائلاً يتطلب جهودًا استثنائية.
كيف أثرت أزمة التعليم في اليمن على الفصول الدراسية؟
تعتبر مدرسة “الرباط الغربي” مثالًا حيًا على حجم الكارثة، حيث يدرس فيها أكثر من 1300 تلميذ، معظمهم من النازحين، داخل مبنى صغير متهالك وثماني كرافانات معدنية تستخدم كفصول دراسية وسط ساحة ترابية، وتشرح المعلمة سعاد صالح أن عدد التلاميذ في الصف الواحد قد يتجاوز 110 تلاميذ، وهي كثافة تجعل من المستحيل على معظمهم تعلم القراءة أو الكتابة بشكل صحيح، فمجرد محاولة إسكاتهم تستغرق منها عشر دقائق على الأقل، وفي كرافان مجاور يفترش أكثر من 80 تلميذًا الأرض، بعضهم حفاة الأقدام، ويتقاسمون فيما بينهم الكتب القليلة المتوفرة التي حصلوا عليها من تبرعات خيرية، مما يوضح الأثر المدمر الذي خلفته **أزمة التعليم في اليمن** على البيئة التعليمية.
معاناة المعلمين وجه آخر من أزمة التعليم في اليمن
تعمل سعاد صالح، وهي معلمة منتقبة في الثلاثين من عمرها، كمتطوعة شأنها شأن غالبية المعلمات اللاتي بقين في الميدان بعد أن هجر المعلمون النظاميون وظائفهم بحثًا عن مصادر دخل أكثر استقرارًا، وتصف راتبها الذي لا يتجاوز 50 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 30 دولارًا أمريكيًا، بأنه مبلغ ضئيل جدًا لا يفي بأبسط متطلبات الحياة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وفي سبتمبر 2024، دخل المعلمون في إضراب استمر تسعة أشهر احتجاجًا على تدني الرواتب وتأخر صرفها، مما دفع أولياء الأمور إلى المساهمة بمبلغ شهري قدره ألفا ريال يمني (1,25 دولار) لكل تلميذ لتأمين أجور المعلمين المتطوعين، وهو ما يسلط الضوء على أن **أزمة التعليم في اليمن** لا تقتصر على الطلاب فقط بل تمتد لتشمل المعلمين الذين يشكلون عصب العملية التعليمية.
اشتكى وكيل المدرسة محمد المردحي من أن المؤسسة تفتقر إلى أبسط المقومات الأساسية التي تحتاجها أي بيئة تعليمية سليمة، وقد لخص أبرز التحديات التي تواجههم في عدة نقاط حيوية.
- غياب الفصول الدراسية الملائمة والمجهزة للطلاب.
- الانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي.
- عدم توفر مصادر مياه نظيفة وصالحة للاستخدام.
- النقص الحاد في عدد المعلمين المدربين والمؤهلين.
ويعتمد التلاميذ، الذين تبدو على الكثير منهم علامات سوء التغذية، على عبوات البسكويت التي تقدمها الأمم المتحدة في الصباح كوجبة وحيدة تسد جوعهم خلال اليوم الدراسي، بينما تواصل المدارس الاعتماد على معلمات متطوعات يفتقرن للخبرة ويحتجن إلى تدريب وتأهيل، في ظل عجز الحكومة عن دفع رواتب المعلمين التي تبلغ حوالي 100 ألف ريال يمني (60 دولارًا) منذ ثلاثة أشهر على الأقل.
مبادرات إعادة الإعمار لمواجهة تداعيات أزمة التعليم في اليمن
في محاولة لمعالجة الوضع المتردي، أطلق “البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن” مشاريع تعليمية تهدف إلى تخفيف حدة الأزمة، وشملت هذه المشاريع تأهيل وبناء 31 مدرسة، من بينها مدرسة “الحرم الجامعي” في عدن التي تم تشييدها عام 2023، وتضم هذه المدرسة 14 فصلًا دراسيًا مجهزًا بمقاعد حديثة ومراوح وتعمل بنظام الفترتين الصباحية والمسائية، الأمر الذي أسهم في خفض الكثافة الطلابية إلى 40 تلميذًا في الفصل الواحد، ووفقًا لمديرتها فتحية العفيفي، فقد استقبلت المدرسة أعدادًا كبيرة من أبناء الأسر النازحة وخففت الضغط على المدارس الأخرى في المنطقة، مما يمثل خطوة إيجابية في سياق التعامل مع **أزمة التعليم في اليمن**.
يرى المحلل عمر كريم، الخبير في السياسة السعودية، أن هناك تحولًا واضحًا في طبيعة المساعدات السعودية التي أصبحت تركز على تحسين مؤشر التنمية البشرية بدلًا من تخصيصها لزعماء القبائل أو المسؤولين الحكوميين، فالتركيز على التعليم لا يساهم فقط في دعم الاقتصاد اليمني على المدى الطويل، بل يساعد أيضًا في إبعاد الشباب عن الانخراط في الصراعات، وإلى جانب قطاع التعليم، أعلن البرنامج السعودي عن تخريج 150 فتاة مؤهلة للتدريس في المناطق الريفية، وتوفير ما يقارب 12 مليار دولار منذ عام 2018 لدعم المصرف المركزي ومشاريع أخرى في قطاعات حيوية.
حذرت المديرة فتحية العفيفي من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى عواقب وخيمة، فالابتعاد عن الدراسة يخلق جيلًا كاملًا لا يجيد القراءة والكتابة، وهي كارثة حقيقية تجعل اليمن يتراجع إلى الخلف بينما يتقدم العالم من حوله.
