الاكتئاب والعزلة.. الوجه الآخر الذي لا تراه الأسرة في حياة الطفل مريض السكر
التعامل مع نفسية الطفل المصاب بالسكر يتجاوز مجرد متابعة الجانب الصحي؛ فهو يمثل تحديًا عميقًا يتطلب فهمًا ودعمًا مستمرين، ففي اليوم العالمي للسكر الذي يوافق الرابع عشر من نوفمبر، يتجدد الحديث عن خطورة المرض وأهمية الوقاية، لكن يظل الجانب النفسي للطفل المصاب هو حجر الزاوية الذي يحدد قدرته على التعايش مع حالته الصحية وفهم التجربة التي يعيشها.
يواجه الطفل المصاب بالسكري تجربة مزدوجة تتعدى ألم الإبر ومراقبة مستويات الجلوكوز، حيث يدخل في صراع مع مشاعر القلق والخوف والشعور بالاختلاف عن أقرانه، وهو ما ينعكس سلبًا على شخصيته وتحصيله الدراسي وسلوكه الاجتماعي، ويؤكد الدكتور محمد فوزي عبد العال، أستاذ المخ والأعصاب والطب النفسي، أن السكري لم يعد مجرد مرض عضوي بل أصبح تجربة حياتية ونفسية يعيشها الطفل وأسرته يوميًا، وهذا الضغط النفسي يمتد ليشمل أولياء الأمور، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة أسيوط أن أكثر من 60% منهم يعانون من ضغط نفسي مستمر نتيجة المتابعة اليومية لأطفالهم، مما يبرز أهمية فهم أبعاد التعامل مع نفسية الطفل المصاب بالسكر.
فهم التحديات عند التعامل مع نفسية الطفل المصاب بالسكر
إن تقلبات مستوى الجلوكوز في الدم تؤثر بشكل مباشر على كيمياء الدماغ، وتحديدًا على الناقلات العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، مما يجعل الطفل أكثر عرضة لتقلب المزاج والعصبية وصعوبة التركيز، فالدماغ هو العضو الأكثر استهلاكًا للجلوكوز في الجسم، وأي اضطراب في مستوياته يؤدي حتمًا إلى اضطراب في الأداء النفسي والمعرفي، وهذا يفسر نوبات الغضب المفاجئة أو حالات اللامبالاة التي قد يلاحظها الأهل والمدرسون على الطفل، ومن واقع المتابعة الإكلينيكية والبحثية، تتقاطع عدة اضطرابات مع مرض السكري عند الأطفال، مما يعقد مهمة **التعامل مع نفسية الطفل المصاب بالسكر**، وتشمل هذه الاضطرابات:
- القلق المزمن والخوف المستمر من الفشل العلاجي أو التعرض لنوبة سكر أمام الزملاء.
- الاكتئاب الطفولي والمراهقي الناتج عن الشعور بالقيود اليومية والحرمان من أطعمة محببة.
- الوسواس القهري الذي يرتبط بالقياس المتكرر لمنسوب السكر أو الهوس بالنظافة.
- اضطرابات النوم بسبب القلق الليلي من احتمالية انخفاض السكر خلال النوم.
- صورة الجسد المشوهة، خاصة لدى الفتيات المراهقات اللاتي يخشين زيادة الوزن الناتجة عن الأنسولين.
- ضعف تقدير الذات والشعور بالدونية مقارنة بالأطفال الأصحاء.
هذه التحديات تستدعي متابعة متكاملة تجمع بين طبيب الغدد الصماء والطبيب النفسي والأخصائي النفسي التربوي لضمان استقرار حالة الطفل.
أساسيات التعامل مع نفسية الطفل المصاب بالسكر في المنزل
إن وصمة السكر النفسية تعد جرحًا غير مرئي قد يبدأ من الأسرة نفسها، حينما يُمنع الطفل من اللعب خوفًا عليه، أو من زملائه الذين قد لا يفهمون طبيعة مرضه، أو حتى من بعض المعلمين الذين يتعاملون معه بحذر مبالغ فيه، وهذه الوصمة تقود الطفل تدريجيًا نحو العزلة وكبت المشاعر، مما يؤدي إلى انسحاب اجتماعي وتراجع في الثقة بالنفس والتحصيل الدراسي، لذلك، يقع على عاتق الأسرة الدور الأكبر في التوعية والدعم، فتعليم الطفل أن مرضه لا ينقص من قيمته ولا يحد من أحلامه يجعله أكثر وعيًا ومسؤولية، ويبدأ **التعامل مع نفسية الطفل المصاب بالسكر** الصحيح من المنزل عبر تقبل المرض دون مبالغة أو شفقة، فالطفل يراقب انفعالات والديه ويقتدي بها، ومن الضروري استخدام لغة إيجابية عند الحديث عن العلاج، فبدلاً من قول “ستبقى مريضًا”، يمكن قول “ستعيش طبيعيًا مع العلاج المنتظم”، كما يجب تدريب الطفل تدريجيًا على إدارة مرضه بنفسه ليكتسب شعورًا بالسيطرة والاستقلال.
إن تخصيص جلسة أسرية أسبوعية لمناقشة المشاعر والإنجازات الصغيرة، مثل تشجيعه بعبارة “أحسنت لأنك قست السكر بنفسك”، يعزز ثقته بنفسه بشكل كبير، كما أن التحكم في وقت الشاشات وتشجيع النوم المبكر يساعدان على تجنب اضطرابات المزاج، ويجب أن يكون الاحتفال بالطفل هو النهج السائد بدلًا من الخوف عليه، فكل قياس منتظم وكل وجبة متوازنة هي انتصار صغير يستحق التشجيع والتقدير، مما يحسن من التعامل مع نفسية الطفل المصاب بالسكر ويعزز مرونته النفسية.
دور المدرسة في دعم الطفل المصاب بالسكري
لا يقل دور المدرسة أهمية عن دور الأسرة في توفير بيئة داعمة، فالمدرسة هي المكان الذي يقضي فيه الطفل معظم وقته، وتتطلب رعاية الطفل المصاب بالسكري وعيًا وتدريبًا من الكادر التعليمي، ويجب أن يكون المدرسون قادرين على التعرف على علامات هبوط السكر والتصرف بسرعة وفعالية، وهنا يكمن جزء حيوي من **التعامل مع نفسية الطفل المصاب بالسكر** في بيئته اليومية.
| علامات هبوط السكر | الإجراء المقترح للمعلم |
|---|---|
| تعرق زائد، شحوب، رجفة | تقديم قطعة حلوى أو كوب عصير على الفور |
| دوخة، عدم تركيز، تشوش رؤية | إجلاس الطفل في مكان هادئ وإتاحة وجبة خفيفة |
| تلعثم في الكلام أو تغير في السلوك | التواصل الفوري مع المرشد الصحي أو أسرة الطفل |
من المهم أيضًا دمج الطفل في جميع الأنشطة الجماعية دون تمييز أو عزل، وتوعية زملائه بلغة بسيطة بأن السكري ليس مرضًا معديًا وأن صديقهم قادر على ممارسة حياته بشكل طبيعي تمامًا، ووجود مرشد نفسي مدرسي مؤهل للتعامل مع أي حالات قلق أو تنمر قد يتعرض لها الطفل يوفر شبكة أمان إضافية، كما أن تشجيع الأنشطة الرياضية المعتدلة تحت إشراف مدرسي يساهم في تحسين المزاج وزيادة حساسية الجسم للأنسولين، مما يخدم صحته الجسدية والنفسية معًا.
