تطور اقتصادي جديد: عميد اقتصاد القاهرة السابق يكشف خبايا خفض الفائدة الأمريكية وتأثيره الحاسم على مستقبل الاقتصاد المصري.
أكد الدكتور محمود السعيد، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة السابق، أن قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة جاء مدفوعًا بتراجع معدلات التضخم وتباطؤ التوظيف في الولايات المتحدة، متوقعًا تداعيات مهمة على الاقتصاد العالمي، أبرزها تراجع قيمة الدولار وارتفاع أسعار الذهب، بالإضافة إلى تدفقات محتملة لرؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة مثل مصر، مما قد يخفف من أعباء خدمة الدين الخارجي.
دوافع قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة
أوضح الدكتور محمود السعيد أن الدافع الرئيسي وراء قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض سعر الفائدة هو الانخفاض الملحوظ في معدلات التضخم، وهو ما يعتبر محفزًا تقليديًا للبنوك المركزية لإعادة تقييم سياساتها النقدية. وأشار السعيد إلى عامل آخر لا يقل أهمية، وهو تباطؤ معدلات التوظيف داخل الولايات المتحدة، والذي أعلنه مكتب العمل الفيدرالي سابقًا، حيث يؤثر ارتفاع أسعار الفائدة سلبًا على الاستثمار والقدرة على خلق فرص عمل جديدة. لذلك، جاء هذا القرار بهدف أساسي يتمثل في تحفيز الاقتصاد وتسريع وتيرة التوظيف مرة أخرى.
تأثير خفض الفائدة على الدولار وأسعار السلع الاستراتيجية
من المتوقع أن يؤدي خفض سعر الفائدة إلى تراجع قيمة الدولار الأمريكي أمام العملات الأخرى في الأسواق العالمية، وهو أمر طبيعي ومتوقع في مثل هذه الظروف الاقتصادية. وبالنسبة لأسعار السلع الاستراتيجية، أشار الدكتور السعيد إلى أن انخفاض قيمة الدولار غالبًا ما يدفع أسعار الذهب للارتفاع، حيث يعتبر الذهب ملاذًا آمنًا في أوقات تقلبات العملات. أما النفط، فتأثره بقيمة الدولار أقل مقارنةً بتأثير عوامل العرض والطلب، إذ تتحكم المنظمات الدولية المنتجة للنفط مثل “أوبك” في الأسعار بشكل أكبر من مجرد سعر الدولار، ومع ذلك، قد يسهم انخفاض الدولار في زيادة طفيفة على الطلب على النفط.
استقطاب رؤوس الأموال للأسواق الناشئة
توقع الدكتور السعيد أن يسهم خفض سعر الفائدة على الدولار في تحفيز حركة ما يُعرف بـ “الأموال الساخنة” من الولايات المتحدة نحو الأسواق التي تقدم عوائد استثمارية أعلى. وفي هذا السياق، ذكر أن مصر، على الرغم من تخفيضها لأسعار الفائدة خلال الشهور الماضية، لا تزال تقدم عوائد مرتفعة مقارنة بالأسواق الأخرى، مما يزيد من احتمالية تدفق رؤوس الأموال نحو الاقتصاد المصري والعديد من الأسواق الناشئة الأخرى التي تسعى للاستفادة من فروق العوائد.
تداعيات خفض الفائدة على الاقتصاد المصري
أشار الدكتور محمود السعيد إلى أن قرار خفض الفائدة الأمريكية يحمل انعكاسات إيجابية مباشرة ومتوقعة على الاقتصاد المصري وأسواق المال المحلية. من أبرز هذه الانعكاسات زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل إلى مصر، مما يعزز من حجم الاستثمارات المتاحة في السوق المحلي. والأهم من ذلك، أن انخفاض قيمة الدولار قد يسهم بشكل فعال في تخفيض أعباء خدمة الدين الخارجي على مصر، نظرًا لأن جزءًا كبيرًا من هذه الديون مقوم بالدولار، وبالتالي فإن تراجع قيمته يقلل من الكلفة المالية المطلوبة لسداد هذه الالتزامات على الدولة المصرية.
انعكاسات القرار على الدول النامية وأعباء الدين الخارجي
تتشابه معظم الأسواق العربية، باستثناء دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على النفط، مع الوضع في مصر فيما يتعلق بتأثرها بقرار الفيدرالي الأمريكي. ولذلك، من المتوقع أن تشهد الأسواق العربية الناشئة تدفقات استثمارية مماثلة لتلك المتوقعة في مصر. أما بالنسبة لدول الخليج، فإن العوامل المتعلقة بالنفط تظل هي الأكثر تأثيرًا في تحركات أسواقها المالية. وبشكل عام، من المتوقع أن تستفيد الدول النامية، بما فيها مصر، من انخفاض سعر الفائدة على الدولار، حيث سيخفف ذلك من أعباء خدمة الدين الخارجي، خاصة إذا كان جزء كبير من هذا الدين مقومًا بالعملة الأمريكية، مما يقلل نسبيًا من تكلفة سداد الدين ويُعد أمرًا إيجابيًا لهذه الدول.